مخيم السدّ... معتقل لنازحي دير الزور

مخيم السدّ... معتقل لنازحي دير الزور

19 أكتوبر 2017
تنزحان من دير الزور (بولنت كيليتش/ فرانس برس)
+ الخط -

وسط ظروف غير إنسانية، يعيش النازحون السوريون في مخيّم السدّ، الواقع بالقرب من مدينة الشدادة، شمال شرق مدينة دير الزور. والمخيّم يخضع لسيطرة قوات سورية الديمقراطية، إذ يشرف ضباط وعناصر من تلك القوات على إدارة المخيّم، في حين تتولى مكاتب الأمم المتحدة في العاصمة السورية دمشق ومنظمات أخرى كالهلال الأحمر العربي السوري تزويد ساكنيه بالاحتياجات الأساسية كالخيم والفرش والأغطية.

ويعاني سكّان المخيّم بصورة أساسية من نقص في تجهيزات النظافة، بسبب غياب حاويات القمامة والحمّامات. يقول أبو خالد، وهو نازح سوري من دير الزور: "نقضي حاجتنا في العراء ونستحم في المستنقع المجاور، وبالتالي ليس غريباً انتشار الأمراض المعدية كالقمل والجرب وغيرها في المخيّم".

وتقدّم منظمات، كالهلال الأحمر السوري وأطباء بلا حدود، خدمات صحية محدودة لسكّان المخيّم، فيما تغيب خدمات الرعاية الصحية المتكاملة بسبب عدم توفّر التجهيزات. وتقول أمّ جميل التي تعيش فيه منذ أشهر عدّة إنّ "الأطباء يحضرون يومياً لساعات عدّة، فيقف المرضى في طابور طويل لعرض مشاكلهم الصحية عليهم. وهم يكتبون لنا وصفات أدوية لنشتريها من الخارج بطرق غير قانونية عن طريق إدارة المخيم التي تتقاضى مبالغ مضاعفة لقاء تأمينها لنا". تضيف أنّ "الذين تستلزم حالاتهم إسعافات طارئة، يجدون صعوبات كبيرة في الخروج من المخيّم والتوجّه إلى المشافي بسبب منع الإدارة، الأمر الذي يضطرهم إلى الخروج بطرق غير نظامية أو دفع رشاوى للحرّاس". وتخبر أمّ جميل أنّه "قبل أيام، ظلت إحدى النساء الحوامل تنزف حتى فارق جنينها الحياة، ولم نتمكّن من إسعافها بسبب عدم وجود أطباء. في النهاية نقلها زوجها بسريّة إلى مشفى قريب من المخيم، لكنّ الأطباء لم يستطيعوا إنقاذ الجنين".

ويصل النازحون الفارون من جحيم قصف الطيران الروسي والسوري وكذلك طيران التحالف على دير الزور، إلى المخيّم بعد رحلة مرهقة يعرّضون خلالها حياتهم للخطر. ويقول جمال إبراهيم إنّ "رحلتنا كانت محفوفة بالمخاطر، فالنظام يقصف المعابر المائية على نهر الفرات، بعدما دمّر وحلفاؤه والتحالف الدولي الجسور التي تصل ضفّتَي الفرات. وفي كل يوم، تقضي عائلات بأكملها وهي تعبر بزوارق محلية الصنع. ونحن كنّا قد دفعنا مبالغ كبيرة للمهرّبين من أجل الوصول إلى مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية، إذ إنّ الطريق مليء بالألغام الأرضية التي زرعها عناصر تنظيم داعش قبيل انسحابه من تلك المناطق".




ويخبر إبراهيم أنّ "رحلة مصاعب جديدة بدأت بعيد وصولنا إلى مناطق سيطرة قسد. فكنّا نقف لساعات طويلة على كل واحد من الحواجز، حيث يفتشوننا بطريقة مهينة كأنّنا دواعش. وكان علينا أن نسمع الشتيمة ونُتَّهم بأنّنا من داعش ونصمت حتى لا نعرّض حياتنا للخطر. وعند بعض الحواجز، دفعنا خمسة آلاف ليرة سورية، وهي التسعيرة المتعارف عليها لتجنّب الوقوف الطويل. وفي النهاية، بعد رحلة طويلة من المشي والتنقّل في السيارات المستأجرة والشاحنات، وصلنا إلى هذا المخيّم القريب من قرية عجاجة التابعة لمنطقة الشدادة".

بعد دخول النازحين إلى المخيّم الذي يسكنه اليوم ما يزيد عن عشرين ألفاً، يسلّم هؤلاء أوراقهم الثبوتية لضباط قسد الذين يديرونه، ثم يقفون في طوابير لاستلام خيمهم وسلال غذائية بسيطة. يقول أبو كمال، وهو من هؤلاء: "بقينا أربعة أيام ننام على الفرش من دون أغطية ولا وسائد بسبب نفادها. وكنّا نستخدم أحذيتنا كوسائد". ويحاول كثيرون من سكان المخيم الذين صُدموا بواقعه القاسي، الخروج منه والتخلّص من تلك الحياة الصعبة، فيوضح أبو كمال أنّ "الخروج من هنا يكون إمّا بطرق نظامية أو بالتهريب. من يريد الخروج لديه ثلاثة خيارات، أوّلها التقدّم إلى إدارة المخيّم بإثبات وجود كفيل في الخارج يكفل سكن النازح عنده، شريطة أن يحمل اسم العائلة نفسها ولديه كذلك الخانة نفسها على البطاقة الشخصية. هنا، يتقدّم الكفيل بطلب إلى السلطات المحلية التابعة لقوات الحماية الكردية في المنطقة، وعليه أن ينتظر أياما عدّة، يدفع خلالها مبالغ تصل إلى مائة ألف ليرة لتيسير معاملة الكفالة وعدم تأخيرها. أمّا الخيار الثاني، فهو من خلال التقدّم بطلب خروج طبيّ بهدف تلقّي العلاج في المشافي الخارجية. لكنّ هذه الطلبات في معظمها تُردّ مع الرفض، بحجّة عدم توفّر مبررات أو أسباب حقيقية. ثم يأتي الخيار الثالث كالطريقة الأكثر شيوعاً، وهو الخروج بطريقة غير شرعية، إمّا عن طريق الهروب، وفي الأمر مخاطرة، إذ قد يتعرّض مَن يلجأ إليه لإطلاق النار من حرس المخيّم، بالإضافة إلى احتمال تعرّضه لخطر الاعتقال أثناء هروبه، إمّا عن طريق الرشاوى التي تُمنَح لوسطاء يعملون لصالح إدارة المخيّم تصل إلى 250 ألف ليرة".

في السياق، يلفت سمير علاوي، وهو نازح آخر لجأ إلى المخيّم من دير الزور، إلى أنّ "ثمّة أفراداً من الشرطة العسكرية التابعة لقوات سورية الديمقراطية يتجوّلون بين الخيم، جزء كبير منهم بلباس مدني. وهم يعملون كوسطاء لإدارة المخيّم، لذا مَن يريد الخروج عليه دفع المال لهم، على أن يُصار إلى ترتيب الخطة والزمان والمكان. لكنّ الصعوبة هنا هي في الحصول على هويتك وأوراقك الثبوتية التي تحتجزها إدارة المخيّم، بالتالي يتوجّب عليك دفع مبلغ مائة دولار إضافية للمكتب الذي يحتفظ بها لاستعادتها". يضيف علاوي أنّ "نازحين كثيرين لا يملكون المبالغ الكافية لذلك، فيخرجون من دون أوراقهم الثبوتية، الأمر الذي يعرّضهم لمشاكل على حواجز قسد بعد خروجهم ويُتّهَمون بالانتماء إلى داعش".