فلاح بركات... الراية البيضاء لمغادرة الحويجة

فلاح بركات... الراية البيضاء لمغادرة الحويجة

19 أكتوبر 2017
ثمة حياة أخرى كتبت لنا (العربي الجديد)
+ الخط -

كانت والدته تختبئ خلفه وتمسك قميصه. أما زوجته، فكانت تحمل ما خف وزنه، فيما يحمل ابنه أحمد عصا علق عليها ثوب شقيقته الأبيض. خرجوا استجابة لطلبات الجيش عبر مكبرات الصوت في مدينة الحويجة العراقية. جاره أبو علي أيضاً كان يسير خلفه وعائلته، وقد رفعوا جميعاً الرايات البيضاء. قال لهم فلاح بركات بألا ينظروا إلى عيون الجنود إلى أن يجتازوا شارع السوق. وقد التقت "العربي الجديد" هؤلاء أثناء مرافقتها قوات الأمن العراقية خلال دخولها إلى مدينة الحويجة التي حررتها القوات العراقية.

يقول بركات لـ "العربي الجديد": "هذه المرة الأولى التي نرى فيها الشارع منذ نحو أسبوعين. كنّا داخل المنزل لا نخرج أبداً. وعندما سمعنا مكبّرات الصوت وتوقف أصوات الاشتباكات، تأكدنا أن ثمة حياة أخرى كتبت لنا". يضيف: "المهم أننا خرجنا بسلام، والآن ليحصل ما يحصل. أمي كانت خائفة مثل طفلة، وأريدها أن تشعر بالأمان. سنذهب إلى خيمة كتلك التي كنا نراها على التلفزيون طيلة السنوات الماضية".

بركات البالغ من العمر 39 عاماً، يلفت إلى تفتيشهم في منطقة تضم قوات عراقية مشتركة من الجيش والشرطة، من دون أن يجدوا شيئاً. لكنهم قالوا إنهم "سيحفظون اسمي في سجلاتهم للتأكد من أنه ليس لي أية علاقة بتنظيم الدولة الإسلامية داعش على مدى السنوات الثلاث الماضية". يقول: "الحمد لله، أعمل مصلح دراجات هوائية، ولا علاقة لي بهم. أصلاً، لا يستخدمها عناصر التنظيم". يضيف: "لم ألحق ابني في المدرسة التي فتحها التنظيم العام الماضي. ورغم انقطاعه عن المدرسة ثلاث سنوات، ما زال قادراً على القراءة والكتابة".

كان بركات يشتم التنظيم على مقربة من الجنود الواقفين على جانبي الشارع، ويراقبون حركة خروج السكان ليباشروا بعمليات التطهير الأخيرة من خلال اقتحام المنازل والمباني، للتأكد من أن أحداً من عناصر "داعش" لا يتحصن فيها، في وقت يحاول ابنه إبقاء الراية البيضاء مرفوعة قدر المستطاع. يقول الوالد لـ "العربي الجديد": "لم أعد أتمنى غير الخروج. تركت كلّ شيء خلفي، وأخذت أمي وزوجتي وأطفالي، الأغلى بالنسبة لي". يتابع: "نحن ضحية ولا دخل لنا بشيء. لا أعرف إن كان ما حدث نهاية الكابوس، أم تنتظرنا قصة أخرى، قد لا نخرج منها أبطالا بل ضحايا".

طلبت منه والدته ألّا يتحدث كثيراً، خشية أن نكون جواسيس. "أسكت وخلينا نطلع من هنا يا ولد". تضحك زوجته، وكأنها المرة الأولى التي تضحك فيها. يمضي بركات ويحيّي الجنود، وكأنه يرغب في إثبات ولائه لهم.