الانتقام مشكلة اجتماعية منتشرة في المغرب

الانتقام مشكلة اجتماعية منتشرة في المغرب

17 أكتوبر 2017
الانتقام من النساء شائع (فاضل سنّا/ فرانس برس)
+ الخط -
قصص مأساوية كثيرة يعج بها المجتمع المغربي تشترك في مشاعر الانتقام التي تملأ الناس فيصل بعضها إلى حد ارتكاب جرائم بشعة، ويكتفي أصحاب قصص أخرى بتلقين "دروس لا تُنسى" لضحاياهم، ما يشير إلى تراجع التسامح

"انتقموا منهم شرّ انتقام" عبارة قد تلخص ما هو واقع في المغرب من أعمال انتقامية يذهب ضحيتها كثيرون، مع تعدد أشكال الحالة وعواقبها. يشير البعض إلى أنّ مردّ هذه الأفعال تراجع قيم التسامح في المجتمع المتغير إلى حدّ كبير في السنوات الأخيرة.

لا ينسى المغاربة حادثة ذهبت ضحيتها شابة في عمر الورود، لقّبها كثيرون بـ"أشهر محروقة في البلاد" وهي مليكة السرساري التي أحرقت انتقاماً في خريف عام 1994 عندما همت بالخروج من مدرستها في العاصمة الرباط، ليفاجئها شاب رفضت الاقتران به، بقنينة بنزين وقداحة، ويشعل النار في جسدها علناً. لم يجد الشاب المتهور أمام طغيان مشاعر الانتقام مع رفض الفتاة الجميلة عرضه وإصرارها على متابعة دراستها وعدم الالتفات إلى مسائل كالصداقة والزواج، إلا أن يحول حياتها إلى جحيم لا ينتهي بعد الحادثة، فقد اغتنم فرصة خروجها من مدرستها سعيدة رفقة صديقاتها، ليحرقها. الحادثة هزت المجتمع المغربي إذ مثلت جريمة لم يعهدها الأهالي من قبل، وشكلت طوال أشهر مادة دسمة لوسائل الإعلام والمجتمع، قبل أن تُنسى شيئاً فشيئاً. كان دافع الشاب توفيق حينها الانتقام من الفتاة التي رفضته مراراً وتكراراً حتى اتخذ قراره بالانتقام وتحويل حياة الفتاة التي أحبّها إلى حطام إذ باتت بعدها عالة على أسرتها والمجتمع. وقد صرح بعد الحادثة أنّه ارتكب فعلته انتقاماً منها كي لا تحظى بفرصة التعرف على شخص آخر غيره.

قصة أخرى مؤلمة أقامت الدنيا ولم تقعدها في المغرب تلك التي تتعلق بشابة عشرينية كانت على علاقة عاطفية مع شاب يحمل الفيروس المسبب لمرض الإيدز، ولم تكن تعلم شيئاً عن حالته الصحية. وبالفعل، التقطت عدوى المرض الخبيث، ولم تعرف حقيقة أمرها إلا بعدما غادرها الشاب ناكثاً بوعد الزواج. لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ فقد انتقل الدور إلى الفتاة هذه المرة. فبدافع الانتقام من "جنس الرجال" عمدت إلى إقامة علاقات مع شبان لا تعرفهم من دون وقاية، فذهب ضحيتها عدد من الشبان، قبل أن ينكشف أمرها بسبب وشاية من صديقتها أفضت إلى اعتقالها ومحاكمتها.

كذلك، تابع المجتمع المغربي خيوط قضية مثيرة بكثير من التشويق، هي قضية مقتل النائب في البرلمان المغربي عبد اللطيف مرداس في مارس/ آذار الماضي. فقد بينت خيوط التحقيقات الأمنية أنّ هناك خليطاً من الانتقام والطمع في الحصول على الثروة وراء اقتراف الجريمة. ملخص جريمة قتل مرداس أنّ زوجته علمت أنّه كان يعتزم التراجع عن تفويض بعض ممتلكاته لها، كما أنّ نيران الانتقام تملّكتها أكثر عندما علمت برغبته في الزواج مجدداً، فعمدت إلى تكليف شخص تربطه بها علاقة لتصفية زوجها، حتى تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.

شهدت مدينة الرشيدية جريمة منكرة عندما أقدمت أم على قتل طفلتها البالغة تسع سنوات، وقبل سنوات حاولت قتل طفلتها الثانية، بدافع الانتقام من زوجها وعائلته. قررت في لحظة انهيار عصبي أن تنتقم من زوجها وأسرته التي كانت تهينها بذبح طفلتها وإحراق المنزل بما فيه، قبل أن تستسلم لرجال الأمن.

قصص انتقام أخرى يعرفها المجتمع المغربي، ترتبط بممارسات الشعوذة والسحر، من قبيل لجوء بعض النساء إلى مشعوذين وسحرة يطلبون منهن بعض الممارسات من قبيل اقتناء جلود وأعضاء حيوانات مثل "لسان الحمار" أو "مخ الضبع" أو "جلد القنفذ" لوضعها في خليط يأكله الزوج المتمرد أو العنيف، بغية تطويعه لزوجته. تعترف مشعوذة اشتهرت عند ضبطها في حادثة خياطة فم قط العام الماضي بناء على طلب إحدى زبوناتها، أنّها فعلت ذلك لمساعدة الفتاة على الانتقام من خطيبها السابق، فقد وجد المحققون صورة الشاب داخل فم القط المخيّط. وأشارت الساحرة إلى أنّ كثيرات من زبونات المشعوذين يأتين إليهم للانتقام إما من أزواج سابقين أو من حمواتهن أو صديقاتهن حتى.

إزاء هذه الحوادث العديدة، يعتبر المعالج النفسي محمد قجدار في حديثه إلى "العربي الجديد" أنّ توجه عدد من المغاربة نحو الانتقام يأخذ أشكالاً مختلفة منها العنف الذي يصل إلى حد ارتكاب جنح وجرائم كالاعتداءات الجسدية مباشرة، ومنها ردود الفعل المعنوية العنيفة التي تمس كرامة الضحية.

يتابع قجدار أنّ الشكل العنيف المباشر للانتقام يمكن أن يكون ضرباً مبرحاً أو سرقة أو قتلاً أو حتى انتحارا وهي حالة سيدة ألقت بنفسها من شرفة المنزل انتقاماً من زوجها الذي اتهمها بخيانته. يضيف أنّ الانتقام غير المباشر يتجلى من خلال الأذى النفسي للضحية كالإساءة إلى كرامته ومرتبته في المجتمع، بتلفيق التهم له أو نشر إشاعات عنه.