نجوم المنابر

نجوم المنابر

10 يناير 2017
من يدانيه في مرتبته؟ (موقع غولفيان)
+ الخط -
يتهيأ للإجابة... ويضع رجلاً فوق رجل. يلصق ظهره بالكرسي. يغلّف وجهه بجدّية مصطنعة. يعدّل نظارتيه أو ربطة عنقه إن وجدتا. يشبك يداً بيد، أو ينقر قلماً على الطاولة. يحكّ لحيته أو يضع سبّابة على صدغ. ثم ينطق جواهر كلامه بصوت واثق يعتنق مذهب ما هو رائج حالياً من أصوات. فإن كان صوتاً رخيماً فعلها، وإن كان صوتاً خطابياً سريع الكلمات واثقها لم يتأخر. يحاول تقليد طريقة زعيم ما في نطق الكلمات ولو شابت الزعيم والتقليد معاً أخطاء نحوية.

لا فارق فالمهم هو الصوت الرائج مع نظرات ثاقبة تعرّي من تجرأ حتى على السؤال أو انتهاك حرمة أفكاره، التي وحدها الحق وما دونها باطل. لكن، حين لا يتعرّى ذلك المتجرئ ويتعظ ويعود إلى رشده في الانسحاب، ينتقل إلى تجييش آخرين عليه. فالفعل الاجتماعي يتعزز دائماً في حضور الآخرين.

يبقى السؤال دائماً: عمّ يتكلم؟ هل حجته حقيقية فعلاً؟ هل أقنعني؟ هل أقنعك؟ كيف ذلك؟ هل بالحجة والبرهان أم بذلك الأسلوب الطاغي؟ لا يهمّ ربما، فهناك مريدون له قد يهتفون باسمه "بالروح والدم" لو تسنّى له أن يكون سياسياً من الصف الأول.

وحتى لو كان مدركاً تماماً كذبه وتلفيقه وضعف حججه وتغطية كلّ ذلك بأسلوبه الخادع، هل يؤثر فيه أنّه يملأ الكون بغباء لسانه ومن ورائه أفكاره؟ الحكم عليه يبقى ناقصاً، فالفكرة تتولّد من استخدامها الاجتماعي وليس من تجريدها. فإن كان الجمهور مأسوراً به إلى هذا الحدّ لمَ لا يعتبر نفسه عبقرياً حتى!؟ فله وحده السطوة. وهو من يشكل الرأي. وليس بعيداً أن تجد أحدهم ينقل عن فصاحته: "كما يقول فلان" أو يمتدح نباهته: "هذا الرجل فهيم".

هو مصنع كبير جداً لمستويات متفاوتة من الأغبياء الذين نلبسهم لبوس الفهم فيتماهون معه ويصبحون نجوم منابر. الإعلام المرئي خصوصاً شريك أساسي فيها. لكنّه ليس المتهم الوحيد. الكتب والجرائد والسينما والمسرح والعروض الغنائية المتنوعة شريكة، بل الجامعات أيضاً وما تحمل منابر قاعاتها ومدرجاتها من بعض الأساتذة الذين ينبهر بهم جمهور ناشئ ويعتبرهم كبار علماء عصرهم.

الأكثرية تحكم، كيفما نشأت تلك الأكثرية اقتناعاً أو تمذهباً أو خوفاً أمام فئة تطغى عليها. هي الأكثرية التي لا ينفعك أن تشذّ عنها، أفلا يقول المثال الشعبي "إن جنّ ربعك، عقلك ما بينفعك". هم لا يكادون يحفظون غير ما تفوّه به "نجمهم" وليس مهماً أن يفهموه، بل ليس مهماً أن يفهمه هو نفسه، فأيّ عقل سينفعك؟

نجومية احتكارية تُفرض علينا كوننا مجهزين لتلقيها. فنحتضنها وننساق إليها ونتعصّب لها... وتغيب عنّا كلّ ترّهة تغمرنا بها.

المساهمون

The website encountered an unexpected error. Please try again later.