تيريزا جوردان تروي قصّة حياتها

تيريزا جوردان تروي قصّة حياتها

لندن

كاتيا يوسف

avata
كاتيا يوسف
08 يناير 2017
+ الخط -

لا تذكر تيريزا جوردان إلا ومضات عن دور الحضانة الذي وضعت فيها وهي في الثالثة، حين فرضت "الخدمات الاجتماعية" على والدتها التنازل عن أطفالها بسبب حالتها النفسية.

في منطقة وولينغفورد التاريخية، حيث كانت تقيم أغاثا كريستي، تسكن تيريزا جوردان. هي امرأة إنكليزية في السبعين من عمرها، سنحت لها الفرصة بلقاء كريستي التي ما زالت رواياتها تجذب القرّاء حتى يومنا هذا، وكذلك بالتمثيل أمامها. لكنّ اسمها لم يُدرج على قائمة مشاهير العالم، بل بقيت امرأة من عامّة الشعب الذين لا تسلّط الأضواء عليهم، على الرغم من أنّ حياتهم قد تستحقّ ذلك، إذ تشبه واقعاً يواجهه كثيرون البشر ولو بأشكال مختلفة. كفاح ورغبة مستمرّة في الحياة مع تفاؤل بالمستقبل، هذه حال تيريزا جوردان التي كانت معاناتها قد بدأت حين أبعدت عن والدتها وهي فقط في الثانية من عمرها.

في منزلها الواقع على ضفاف نهر التايمز، تروي جوردان لـ "العربي الجديد" تنقّلها من مكان إلى آخر، بعدما تخلّى والدها عن والدتها وتركها مع تسعة أطفال، وذلك على أثر إنجابها ابنتَين توأمَين. "وصلتها ورقة الطلاق عبر البريد"، تخبر جوردان. "وأصيبت والدتي بحالة اكتئاب حادة واضطرابات نفسية أدّت إلى عجزها عن الاهتمام بنا. احتاجت إلى فترة للعلاج، لكنّها لم تُشفَ، وكانت حياتها حزينة ومؤلمة جداً. لذا، اضطررت وإخوتي إلى الانفصال عن بعضنا بعضاً، ووزّعونا على دور للرعاية أو على عائلات تهتم بنا لفترات محدّدة". تكمل جوردن سردها: "بقيت مع أختي إنيتا طوال الوقت. أمّا إخوتي الخمسة وأختاي التوأمَين، فلم أرهم إلا بعد مرور سنوات".

الفترة الأصعب من حياة جوردان، "كانت في منزل تلك المرأة التي رأيتها للمرّة الأولى في الحضانة. كانت واقفة عند الباب وتراقبني وأختي. كنت في الرابعة من عمري حينها. مرّت فترة وجيزة قبل أن أخذتنا معها إلى منزلها للاهتمام بنا، في مقابل مبلغ من المال تتقاضاه من الخدمات الاجتماعية". بالنسبة إلى السبعينيّة، "كان وقتاً صعباً. كان المنزل صغيراً جداً حيث تقيم المرأة مع ابنها وابنتها من دون زوجها. وهي تعاملت معنا بلؤم". تبتسم في محاولة لإخفاء ذلك الألم الذي عاشته، ثمّ تؤكّد أنّها وأختها تضحكان حين تستعيدان معاً مرارة تلك الأيّام. "ما زلت أذكر بكاءنا أختي وأنا من الألم الذي كان يسبّبه لنا الصقيع وبحثنا في النفايات عن أيّ شيء يؤكل، وذلك بعدما احتلّ طبق الملفوف والشمندر وجباتنا كلها على مدى ثلاث سنوات"، خلال إقامتهما لدى تلك المرأة. حتى في أعياد الميلاد، فرضت عليهما القوانين الصارمة، "ومنعتنا من تناول أيّ قطعة كعك إضافية أو حتى سندويش إضافي، في ظلّ مراقبة ابن السيدة، كذلك حرمتنا من هدايا الميلاد التي كانت تقدّمها لنا المدرسة، بحجّة أنّنا لا نستحقّها".

العمدة تيريزا جوردان في صورة تذكاريّة


أمّا الأفظع بحسب جوردان، فكان "حبسنا أختي وأنا في العليّة أثناء الليل". كانتا طفلتَين، الكبيرة بينهما في الرابعة والأخرى لم تتجاوز سنتها الثالثة، تعجزان عن الخروج لقضاء حاجتهما وتعاقبان إن بللّتا الفراش. "لكنّني وجدت وسيلة أخلّص بها نفسي من العقاب". وتقول إنّها كلّما أرادت قضاء حاجتها، كانت تفعل ذلك عبر نافذة صغيرة في العليّة، وعلّمت أختها كيفية ذلك حين كانت تستيقظ ليلاً.

لم تتوقّف والدتهما يوماً عن زيارتهما، خلال تلك الفترة. لكنّها مُنعت من لقائهما أو التحدّث إليهما. كانتا تريانها واقفة عند باب المنزل لبرهة، فيما تتحدّث إلى المرأة قبل أن تختفي. "كان ذلك يبعث الألم في نفسينا أختي وأنا. فقد أردنا الارتماء في حضنها للشعور بالأمان".

طويلاً، اشتكت المرأة لموظّفي الخدمات الاجتماعية من "معاناتها مع الطفلتَين"، لتتخلّى عنهما عند بلوغ جوردان السابعة. فأرسلتا إلى دور الأطفال. كان المكان الجديد "بمثابة جنّة لنا. حصلنا على المال، وسُمح لنا بشراء الحلويات، واحتسينا مشروب الشوكولاتة الساخن الذي لم نتذوّق طعمه لدى تلك المرأة".

الحياة في دور الأطفال كانت في غاية الانضباط، وكان ينبغي عليهما أن تتبعا روتيناً يومياً مع كثير من القيود. الأطفال هناك كانوا يستيقظون نحو الساعة السادسة والنصف صباحاً ولا يتناولون الفطور إلا عند حضور الجميع عند السابعة والنصف، وقد فُرض عليهم الجلوس بطريقة مستقيمة. إلى ذلك، "كان المشرفون على المكان يحسبون الوقت الذي تستغرقه المسافة لوصول التلاميذ إلى المدرسة. وإن تأخّر أحدنا، كان يتعرّض للعقاب الذي لم يتجاوز التوبيخ. أمّا التعامل مع الفتيان فكان أكثر قسوة". ويوم السبت لم يكن بحسب جوردان "يوم عطلة عادياً، بل كان لكلّ طفل وظيفة يؤدّيها، تتبدّل أسبوعياً من تلميع الأثاث والفضيّات والأحذية وغسل الملابس وتجفيفها وتنظيف المراحيض والمساعدة في طهي الطعام. وعند إنجاز المهام الموكلة إلى كلّ منّا، كان يُسمح لنا بالخروج".

يوم بلغت جوردان الثامنة عشرة، تعيّن عليها ترك دور الأطفال. فعرض عليها موظّفو الخدمات الاجتماعية منزلاً، على أن تهتم بأختها التي كانت ترافقها دوماً وكذلك بأختَيها التوأمَين. فتحمّلت مسؤولية أخواتها الثلاث، وعملت صرّافة في بنك وتنقّلت في وظائف عدّة. "لكنّني تخليت عن وظيفتي في البنك، لأنّني كامرأة في ذلك الزمن لا أملك مستقبلاً مهنياً. أعلى مركز قد أصله هو صرّافة أولى".




تجدر الإشارة إلى أنّ خروجها من دور الأطفال لم يمنحها حريتها، "بل خضعتُ لقوانين الخدمات الاجتماعية التي حظّرت عليّ وعلى أخواتي التجوّل في الشارع من دون سبب وجيه، حتى للتبضّع أو الدردشة الاجتماعية مع أهل البلدة. وكان يحقّ لنا استضافة أصدقاء أثناء النهار فقط، شريطة عدم إقامة أيّ نوع من الحفلات في منزلنا. وسمح لنا بالذهاب إلى الكنيسة أيام الآحاد".

حياة جوردان العاطفية لم تكن أوفر حظّاً من طفولتها. وتعيد فشلها في علاقاتها بصورة رئيسية إلى "غياب دور الرجل عن حياتي". لذلك، احتاجت إلى مزيد من الوقت في محاولة اكتشاف عالم الذكور. "كنت أجهل ما يتوقّعه الرجل منّي، وفي أوائل الثلاثينيات من عمري، رأيت أنّه في إمكاني أن أكون سعيدة من دون رجل في حياتي". حينها فقط، "عندما توقّفت عن البحث عن شريك حياة وصرت أظهر كامرأة مستقلّة وقويّة، التقيت بحبيبي وزوجي روي. وقعت في غرامه. كان رجلاً أنيقاً وقوياً ولطيفاً، احترمني وأحبّني وشجّعني ودفعني إلى تطوير ذاتي".

لسنوات عدّة عملت في إحدى الشركات، وراحت تشارك في نشاطات المنطقة. كان زوجها دافعاً لها للوثوق بقدرتها، وقد ترشّحت لمنصب العمدة وفازت به. "كانت مهمّة ممتعة مدّتني بالسعادة والطاقة"، إذ هي امرأة تهرع بطبيعتها إلى تقديم المساعدة للآخرين. ويمكن مشاهدتها في الصباح الباكر، وهي تطعم البط والإوز بالقرب من منزلها على ضفاف نهر التايمز.

والدة جوردان بقيت "على تواصل معنا جميعاً حتى وفاتها، على الرغم من أنّنا كنّا نقيم بعيداً عنها". أمّا والدها، "فلم يتّصل بأيّ منّا على الإطلاق، حتى بلغتُ أنا الثامنة عشرة". حاول التحدّث إليها، لكنّها رفضت أيّ تواصل معه. وفي مرّة، وافقت وأخبرته أنّه لم يكن يوماً جزءاً من حياتهم. "لا أشعر بالفخر لقيامي بذلك، لأنّ لكلّ قصّة روايتَين مختلفتَين. وحين تنهار علاقة ما، فإنّ المسؤولية تقع على عاتق الطرفَين وليس على واحد فقط".

ذات صلة

الصورة

سياسة

انتظر تشارلز الثالث عقوداً قبل أن يصبح، الخميس، في سن الثالثة والسبعين، ملكاً خلفاً لوالدته إليزابيث الثانية. وفي ما يأتي بعض جوانب حياته في عدد من الأرقام.
الصورة
ري نباتات حديثة في بريطانيا (دينندرا هاريا/ Getty)

مجتمع

طالبت السلطات البيئية البريطانية المواطنين بترشيد استهلاك المياه بشكل كبير، مع إعلان حالة الجفاف في عدد من مناطق إنكلترا.
الصورة
جوليان أسانج (تابو جاياسيمي/Getty)

منوعات

ألغت المحكمة العليا في بريطانيا، اليوم الجمعة، قرار رفض تسليم مؤسس "ويكيليكس"، جوليان أسانج، إلى الولايات المتحدة، لمواجهة اتهامات بالتجسس.
الصورة

منوعات

دافع الأمير ويليام، الخميس، عن العائلة الملكية البريطانية في وجه اتهامات بالعنصرية وجهها شقيقه هاري وزوجة الأخير ميغان، خلال مقابلة عبر التلفزيون الأميركي، أغرقت الأسرة في أزمة عميقة.

المساهمون