تلاميذ خارج المدرسة

تلاميذ خارج المدرسة

06 يناير 2017
ما زالوا في المدرسة (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
أرقام مقلقة يتداولها العاملون في قطاع التربية سنوياً حول ظاهرة التسرّب المدرسي في تونس، والتي تقدّر بنحو مائة ألف سنوياً. ورغم تطوّر المنظومة التعليميّة، تشغل هذه المشكلة أهل الاختصاص. ويعزو بعضهم المشكلة إلى رسوب التلميذ أو الظروف المحيطة به أو المؤسّسة التربوية.

وكان مكتب الدراسات والتخطيط التابع لوزارة التربية قد كشف في دراسة في عام 2013، أنّ ظاهرة الانقطاع عن التعليم ارتفعت من 1.2 في المائة إلى 10 في المائة، علماً أن نسبة الانقطاع المدرسي بين الذكور أكثر ارتفاعاً من الإناث. كذلك، أظهرت دراسة أعدّها المنتدى الاقتصادي الاجتماعي أن هناك أسباباً عدة للانقطاع المدرسي، أهمّها تلك المرتبطة بالمنظومة التربوية. وبيّنت الإحصاءات أنّ 71 في المائة من المنقطعين عن الدراسة قالوا إن السبب الذي دفعهم إلى ترك المدرسة يتعلّق بالمدرسة نفسها، فيما يؤكد 12.3 في المائة أنّه ناجم عن أسباب مادية، و8.14 في المائة عن أسباب عائلية، و5.25 في المائة عن أسباب صحية.

في المقابل، أشارت دراسة وزارة التربية إلى أنّ أبرز العوامل هي الاكتظاظ في بعض المدارس، أو بعد المدرسة عن البيت، خصوصاً في الأرياف والمناطق الداخلية. وبسبب الظروف الاجتماعية والمادية القاسية والتهميش والفقر، تسجّل ظاهرة الانقطاع المبكر عن الدراسة ارتفاعاً كبيراً، خصوصاً في محافظات قفصة والقصرين والقيروان وسيدي بوزيد، أي المناطق الريفية. وغالباً ما يعاني سكان هذه الولايات من البطالة والفقر. هذا السبب قد دفع التلميذ مصباح عريضي إلى الانقطاع عن الدراسة هذا العام، بسبب بعد مقر سكنه عن المدرسة بنحو أربعة كيلومترات. وكان يضطر إلى قطع هذه المسافة يومياً سيراً على الأقدام، إلّا أنه لم يعد قادراً على تحمل الأمر، خصوصاً في فصل الشتاء.

ويقول والده إنّ غالبية أبناء المنطقة يتركون الدراسة في عمر مبكّر جداً بسبب بعد المدرسة والطريق المؤدي إليها، خصوصاً في فصل الشتاء، إذ تعيقهم الأمطار عن متابعة طريقهم. وفي بعض الأحيان، يختار الأهل إخراج أبنائهم من المدرسة خوفاً عليهم.

من جهة أخرى، وبسبب الفقر وكثرة الأولاد في العائلة الواحدة، يصعب لدى غالبيّة الأسر توفير كل المستلزمات الدراسيّة، من قرطاسية وكتب وغيرها. لذلك، تلجأ العائلة إلى إخراج بعض أبنائها من المدارس، وعادة ما تكون الفتيات ضحايا.


في هذا السياق، تركت زينب بن إبراهيم، وهي من محافظة باجة، الدراسة في الثالثة عشرة من عمرها، بعدما اختار والدها تعليم الصبيان. وبعدما تركت المدرسة، بدأت العمل مع والدتها في مجال الزراعة. هذه الفتاة تركت الدراسة في عمر مبكّر، رغم أنّ القانون التونسي ينصّ على إجباريّة التّعليم حتى سنّ السّادسة عشرة. وأشار والدها إلى أنه غير قادر على تدريس ثلاثة أطفال بسبب ارتفاع المصاريف.

من جهتها، أكّدت وزارة التربية في تقرير أصدرته في أواخر ديسمبر/ كانون الأول الماضي أنّ عدد التّلاميذ الذين انقطعوا عن الدراسة خلال عام 2016 بلغ 96 ألف تلميذ، في مقابل 106 آلاف تلميذ انقطعوا عن الدراسة خلال العام الذي سبقه. كذلك، أشارت إلى أنّ 80 في المائة من المنقطعين عن الدراسة تراوح أعمارهم ما بين 12 و16 عاماً. يشار إلى أنه في إطار برنامج "المدرسة تستعيد أبناءها" الذي أطلقته الوزارة العام الماضي، أعيد نحو 15 ألف تلميذ إلى مقاعد الدراسة.

إلى ذلك، سعت الوزارة إلى إيجاد حلول مختلفة للقضاء على الظاهرة، في وقت حصلت على بعض المساعدات، من بينها ضمن إطار اتفاقيّة الشراكة والتعاون المدرسي التي وقعتها الوزارة مع سفارة إيطاليا في تونس، والوكالة الإيطالية للتعاون والتنمية في تونس، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) خلال سبتمبر/أيلول في عام 2016. هذه الاتفاقيّة أتاحت للوزارة الحصول على ثلاثة ملايين دولار. وكان وزير التربية ناجي جلول قد أشار إلى أنّ الوزارة تشكو بسبب قلّة الموارد، وأنّ 97 في المائة من الميزانيّة مخصّصة لتأمين أجور الموظفين، في حين تخصّص 3 في المائة من الميزانية فقط لعملية الإصلاح، وهي قليلة بالمقارنة مع ما يتطلبه الإصلاح التربوي.

ويمتدّ هذا التعاون حتى عام 2018، على أمل التصدّي لهذه الظاهرة وتحقيق عدالة أكبر في المنظومة التربويّة، خصوصاً من خلال التدخّل في الجهات المحرومة. وبحسب تفاصيل البرنامج، سيشمل التدخّل 19 ولاية، خصوصاً تلك التي ترتفع فيها نسب التسرب المدرسي. وقد وضعت قائمة تضم 34 مدرسة تعد ذات أولوية قصوى، ويجب دعمها بصفة عاجلة.

يذكر أنّ جلول كان قد أشار إلى أنّه رغم تطور المنظومة التعليمية في تونس، إلا أنّ معضلة الإنقطاع المبكر عن الدراسة تبقى هاجساً يشغل بال أهل الاختصاص والعاملين في القطاع التربوي. يضيف أن تفشي هذه الظاهرة يقلق أيضاً عدداً كبيراً من أولياء الأمور والمربين والسياسيين على حد السواء، خصوصاً أن النتيجة هي ارتفاع معدلات البطالة والفقر وغيرها من المشاكل الاجتماعية.

المساهمون