كوليرا في صفوف المدرسة

كوليرا في صفوف المدرسة

04 يناير 2017
عدد الإصابات في المدارس محدود (محمد حويس/ فرانس برس)
+ الخط -

أقفلت مدارس عدن بموجب توجيه صدر عن مكتب التربية والتعليم بعد تسجيل وفيات بمرض الكوليرا، لكن لم تصل الأوضاع إلى تعليق العام الدراسي برمته. والسبب وقوع حالات وفاة وإصابات. عدد الإصابات في المدارس محدود بالقياس إلى ما جرى تسجيله، لكن وكما هو معروف فإن المدرسة هي بيئة مثالية لانتشار هذا المرض أو سواه ، خصوصاً من هم في أعمار غضة.

وانتشار أمراض مثل الكوليرا يحمل الكثير من الدلالات أبرزها عدم توفر المياه النظيفة في المنازل والمدارس، وبالتالي استهلاك التلاميذ مياها مشكوكا بمراقبتها، ومحدودية عمليات التنظيف وقصورها عن ردع المرض من الظهور والانتشار. لكن الأهم يظل يتمثل في غياب التنسيق والمتابعة من أجهزة ومؤسسات حكومية عدة بينها وزارات التربية والصحة والكهرباء والأشغال والبلديات. وتصل المسؤولية الى إدارات المدارس التي لا تقوم بواجب النظافة في المدرسة ومحيطها المباشر.

وهكذا تتضافر جملة هذه المشكلات لتقود الى بروز هذه الظاهرة الخطيرة التي استطاعت الهيئات الصحية المحلية والدولية القضاء عليها في معظم أجزاء الكرة الأرضية بما فيها مناطق الأدغال الأفريقية والآسيوية والمجاهل الأمازونية.

لم يكن لمشكلة من هذا النوع أن تبرز إلى الوجود بعد أن ظن كثيرون أن "الوباء الأصفر" هذا قد انتهى زمنه من دون أن تتوفر له المناخات السياسية والأمنية والاجتماعية والصحية المعيشية الملائمة. وهذه جميعاً تعتبر حالة الحروب الداخلية البيئة المثالية لها، إذ تغيب الرقابة الحكومية عن فلترة وتطهير إمدادات المياه إلى المنازل والمدارس ويختلط "حابل" مياه الشرب بـ"نابل" المجاري، وتنهار قدرات الأهالي وإدارات المدارس على استعمال مواد التنظيف. وتكون النتيجة عودة المرض وتهديده حياة الناس سواء أكانوا كباراً أم صغاراً.

على أي حال ما يجري في هذا الصدد ليس سوى مؤشر على ما هو أعمق من تردي مستويات الحياة والصحة العامة في اليمن، خصوصاً أننا نتحدث هنا عن مدينة تلعب على الصعيد الواقعي دور العاصمة بعد هيمنة جماعات الحوثيين وقوات صالح على العاصمة صنعاء ومصادرة واستنزاف موارد ومقدرات البلاد. وهنا يطرح السؤال نفسه حول أوضاع الأرياف والمدن المحاصرة والنازحين من عنف المعارك إلى مناطق بدائية لا تتوافر فيها مقومات الحياة الأولية.

بالتأكيد اليمن بحاجة الى ما هو أكثر من عشرين برميلاً من مادة الكلور التي قدمها الهلال الأحمر الإماراتي، هو فعلاً وبالدرجة الأولى بحاجة الى وقف حربه التي لم تترك مدينة ودسكرة الا ونهشت إمكانيات العيش فيها. الكوليرا قد تكون مجرد رسالة لما هو أدهى وأمرّ مما قد تعانيه البلاد في ظل استمرار حالة الانتحار الذاتي التي تعصف بالمدن والقرى.

*أستاذ جامعي

المساهمون