هاربون من الذكرى

هاربون من الذكرى

25 يناير 2017
كان أجمل يوم طلعت فيه الشمس (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
أبدت سارة فؤاد اهتمامها وشغفها برحلة سفاري إلى محمية وادي علبة بمدينة شلاتين المطلة على البحر الأحمر، تصادف يوم غد 26 يناير/ كانون الثاني من خلال نشر جدول الرحلة عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". عبر رابط الدعوة، استدعت سارة صديقاتها لإقناعهن بالسفر، فقالت: "يا سلام بقى لو كانت 24 أو 25 يناير.. كان الواحد قدر يهرب من اليوم دا في قلب الجبل والبحر".

ليست سارة وصديقاتها فقط من يحاول الهروب من ذكرى ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، خصوصاً بعد خنق المجال السياسي بشكل عام، ولم يعد بإمكان غير الموالين للسلطة، الخروج إلى الميادين والاحتفال بالذكرى التي تتزامن مع عيد الشرطة المصرية.

كانت الدعوة إلى تظاهرات ذلك اليوم قبل 6 سنوات قد تعمدت الخروج في يوم عيد الشرطة، احتجاجاً على الممارسات الأمنية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وحالات القتل والتعذيب المنتشرة في أماكن الاحتجاز والشوارع على يد أفراد من الشرطة. وبعد الثورة، كان الاحتفال بالذكرى حدثاً هاماً للتذكير بالحقوق والشهداء وما تبقى من أهداف لم تتحقق للثورة.

أما بعد انقلاب الثالث من يوليو/ تموز عام 2013 على الرئيس المنتخب محمد مرسي، وسنّ قوانين تجرّم التظاهر، وتطالب بالتعامل مع كلّ من يخرج للتظاهر بالرصاص، باتت تلك المناسبات تمثل عبئاً نفسياً إضافياً على المشاركين في ثورة يناير لما تشهده من حملات اعتقال عشوائي وقتل مباشر للمتظاهرين.

بات الهروب هو الملاذ الآمن والمثالي حالياً، وهو أيضا "حالة إنكار للهروب من الواقع الذي يحتاج تضحيات وقوة نفسية لمواجهته وعمل ما يجب علينا" بحسب طبيب نفسي يقول عن نفسه: "أحياناً أبتعد تماماً عن منصات التواصل الاجتماعي للهروب من الأخبار والأحداث المحبطة". يردف: "كلّ واحد منّا يمكن أن يضعف في لحظة، لكن يجب أن يستيقظ بسرعة ويكمل مشواره".

يوم 25 يناير يمثل للصحافي والمصور حسام الصياد، ذكرى مرهقة نفسياً. كان ليقضيه بين صور وفيديوهات الثورة لو لم يكن صحافياً مكلفاً بتغطية فعاليات هذه الذكرى. يقول الصياد: "كنت أتمنى لو أمضيه مع ألبوم صور وفيديوهات التقطها عام 2011. أتذكر وأكتب عن كلّ لحظة من اللحظات الملحمية التي عشناها في 25 يناير". يتابع الصياد الذي كان ناشطاً سياسياً في حركة "شباب من أجل العدالة والحرية" قبل الثورة: "جربت الهروب في السنوات الماضية، بلا نتيجة. نحن لم نرتكب خطأً لنهرب منه. نحن أسسنا ملحمة ستبقى مستمرة وذكراها ستبقى محفورة في ذاكرة الوطن لمئات السنين". يضيف: "حتى لو انهزمنا في معارك ما بعد الثورة، فهي مجرد هزائم مؤقتة، وسيأتي يوم نكمل فيه ما بدأناه في يناير 2011. ما وصلنا له ليس نهاية الثورة والحراك، بل هي مجرد عقبة على طريق ثورتنا سنزيحها ونتخطاها".


من جهته، يؤكد طبيب نفسي أنّ "محاولات الهروب لا تعني بالضرورة إنكاراً للواقع ولا رفضه، بل هي أيضاً وسيلة دفاعية للتخلص من الضغوط الشديدة التي لا نستطيع مواجهتها".
أما ياسمين محمد فقد وجدت طريقتها المثلى للهروب من أعباء هذا اليوم: "ثلاثة أرباع المصريين سيمضونه في مشاهدة مباراة مصر وغانا في بطولة أمم أفريقيا لكرة القدم". تتابع ياسمين الشغوفة بهذه الرياضة محلياً وعالمياً: "أنا سعيدة جداً بذلك. فهي مباراة مهمة جداً، وسأجد ما أتسلى به طوال اليوم".

قد لا يعلم هؤلاء المواطنون ما تعنيه الذكرى للمصريين المقيمين في دول أخرى. رشا رفعت، شابة مصرية تعيش في تركيا، بعدما فقدت عملها في مصر. تقول: "منذ عدة أيام، وتحديداً في ذكرى الثورة التونسية، طالعت جدول الشهر لأعرف ما إذا كان لديّ دوام في هذا اليوم، أم إجازة.. وحمدت الله أنني سأداوم فيه". تصف رشا هذا اليوم: "سأحاول أن أجعله يمر كيوم عادي. سأحاول قدر المستطاع في العمل ألاّ أتحدث مع أحد عنه ولا ما فعلنا فيه وأين كنا. سأتجنب الدخول في النقاشات، خصوصاً أنّ ذكرى 25 يناير الماضية كانت صعبة جداً، فقد كان العام الأول لي خارج مصر... أمضيته أتابع مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية والاتصالات الهاتفية للاطمئنان على أهلي وأصدقائي". تحاول رشا أن تتخفف من أعبائها هذا العام، وتتذكر فقط أنّ 25 يناير 2011 "كان أجمل يوم طلعت فيه الشمس".

كذلك، يقول أحمد صالح، وهو شاب مصري مقيم في ماليزيا، إنّه يمضي هذا النهار متمنياً "أن يعدّي (يمرّ) على خير والناس ما تتمسكش (تُعتَقل)، ولا دمها يسيل".