"قوافل خيرية" تساعد فقراء تونس على النجاة من الصقيع

"قوافل خيرية" تساعد فقراء تونس على النجاة من الصقيع

24 يناير 2017
خلال فرز الثياب (العربي الجديد)
+ الخط -
لمدّة أسبوع أو يزيد، عاشت غالبيّة مناطق شمال غرب تونس حالة عزلة تامة، بسبب سوء الأحوال الجوية وسقوط كميّات كبيرة من الثلوج، مما أدى إلى إغلاق كل المنافذ والطرقات. أمر ليس جديداً في هذه المناطق، خصوصاً الجبليّة، من بينها عين دراهم وباجة والقصرين. وقطعت العديد من الطرقات الرئيسيّة التي تربط العاصمة تونس بمحافظات الشمال الغربي والوسط الغربي، كما شلّت الحركة فيها بسبب الثلوج الكثيفة التي هطلت خلال الأيام الأخيرة.

وعانت المناطق المعزولة من نقص كبير في السلع الأساسية والمواد الغذائية. عزلة تلك المناطق ومعاناة سكّانها تكشف في كلّ مرة عن فشل الحكومات في إيجاد حلول لتجنّب المعاناة بسبب سقوط كميات كبيرة من الثلوج، وانقطاع التيار الكهربائي، ونقص الوقود، علماً بأن بعض العائلات تعيش في أكواخ.

وبسبب البرد والفقر، سقط ضحايا في بعض الجهات، مما أثار الرأي العام. وتوفيت الطفلة رانية بسبب البرد، هي التي تعيش في كوخٍ متهالك في عين دراهم في محافظة جندوبة، حتى أنّ عائلتها لم تكن تملك مالاً لأخذها إلى المستشفى، فيما أدّى سقوط كوخ بسبب الأمطار الغزيرة إلى وفاة امرأة وابنتها في إحدى المناطق الجبلية في محافظة القصرين.

وينشر ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي يوميّاً صوراً لعائلات تعيش أوضاعاً بائسة في أرياف تونس، ويسألون: "إلى متى ستستمرّ معاناة هؤلاء الذين عانوا التهميش والفقر منذ عهد الحبيب بورقيبة، وبقيت مناطقهم محرومة من التنمية، وتفتقر إلى أبسط مقوّمات العيش؟".

في ظروف كهذه، تسعى الجمعيّات الخيريّة إلى تقديم المساعدات والتخفيف من وطأة سوء الأحوال الجوية، وفكّ العزلة خصوصاً عن سكان المناطق الجبلية. وأطلقت جمعيّة تونس الخيرية، على غرار جمعيّات أخرى، حملة لجمع تبرعات قد تساعد بعض العائلات في تلك المناطق، مثل الأغطية والملابس الشتوية ووسائل تدفئة وغيرها.

واللافت أن بعض التونسيّين فقدوا الثقة بالجمعيات الخيريّة بسبب تواتر أنباء عن علاقة بعضها بالإرهاب، أو مصالح سياسية، وحتى شخصية. من هنا، زاد الإقبال على المساعدات الفردية. في هذا السياق، قررت الطالبة الجامعيّة، إيناس سرحان، برفقة صديقاتها، إطلاق مبادرة لمساعدة العائلات في الجهات الداخلية. وتشير إلى أنّها تعرّفت على مجموعة من الأصدقاء، الذين هم على صلة بالعمل الخيري في مصر خلال وجودها هناك، والذين يطلقون مبادرات فردية لمساعدة الناس في المناطق الفقيرة، فأرادت القيام بالأمر نفسه.



بعد عودتها إلى تونس، وإثر وفاة الطفلة رانية في عين دراهم، فكّرت في تنظيم قافلة خيرية إلى المنطقة، وأطلقت برفقة صديقاتها مبادرة من خلال "فيسبوك" لمعرفة مدى تفاعل الناس، بهدف البحث عن حلول أخرى في حال فشل الأمر. لكنّ المبادرة لقيت اهتماماً كبيراً من قبل المواطنين الذين اتصلوا بهنّ وقدموا مساعدات كبيرة من ملابس شتوية وأغطية ومال لتوزيعه على الناس أو شراء مواد غذائية وبعض اللوازم الأخرى. تقول إيناس: "لم نكن نتصور أن يكون تفاعل الناس بهذا الحجم الكبير". تضيف: "تمكنّا من جمع كميات كبيرة من الملابس وفرزها، ثمّ وضعناها في صناديق".

تفكر إيناس وصديقاتها في تطوير هذه المبادرة أو الوصول إلى جهات أخرى، على أن تستمر المساعدات ولا تقتصر فقط على موسم الشتاء. وتسعى إلى تقديم مساعدات للناس ليكونوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم، وتحسين ظروفهم الاجتماعيّة، وتوفير معدات على غرار مكنات خياطة للنساء في حال رغبن، أو مساعدة عائلات أخرى على إنشاء مشاريع صغيرة.

من جهتها، تقول طالبة الدراسات العليا، أميمة الجلاصي: "صرت أفكّر في متابعة العمل الخيري بعد نجاح المبادرة، في ظل رغبة العائلات في تقديم المساعدات". وتلفت إلى أن العمل الخيري لا يتطلّب إنشاء جمعية، خصوصاً وأن العديد من المواطنين لا يثقون بها. وتضيف: "ننشر كل ما نقوم به على فيسبوك حتى يتأكد الناس من مبادرتنا ونجاح عملنا، حتّى أننا نطلب منهم المشاركة في القافلة حتى يتمكنوا من تقديم المساعدات بأنفسهم".

وعلى مدى الأيّام الماضية، نُظّمت رحلات ترفيهية إلى تلك المناطق، بالتوازي مع القافلات الخيرية. وعوّل غالبيّة أصحاب المبادرات على شبكات التواصل الاجتماعي للتعريف بمبادراتهم، وجمع ما قد يساعد الناس خلال فصل الشتاء.

في المقابل، قال الوزير المكلّف بالعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان لدى رئيس الحكومة، مهدي بن غربية، إنّه من المنتظر الإعلان عن مناطق منكوبة في تونس، مشيراً إلى أنّ الحكومة تعمل على إعداد مشروع قانون طوارئ للإعلان عن المناطق المنكوبة، ووضع خطط وإجراءات لحماية هذه المناطق من الأزمات.