"تمارض" موظّفين في موريتانيا

"تمارض" موظّفين في موريتانيا

03 يناير 2017
بعضهم يكثر من طلب الإجازات (جورج غوبيت/ فرانس برس)
+ الخط -
أصبحت الإجازات المرضيّة وسيلة للتحايل والتهرّب من أداء الوظائف في موريتانيا. ويجد الموظّفون في ادّعاء المرض حجّة للتغيّب عن العمل من دون وجه حق، ومن دون أن يترافق ذلك مع أية تدابير، كاحتساب هذه الأيام من الإجازات السنوية أو تخفيض الرواتب. هذا التحايل يؤثّر سلباً على المؤسسات بسبب قلّة الإنتاجية وقلة ثقة المتعاملين معها. من جهة أخرى، قد يُحرم آخرون من الاستفادة من إجازاتهم.

يقول عدد من الباحثين الاجتماعيّين إن "التمارض" يؤدّي إلى مشاكل كبيرة في العمل، وينمّي الشعور بعدم المسؤولية، ويخلق جيلاً كسولاً، ويحرم المجتمع من الاستفادة من طاقات الموظفين والعاملين كما يجب. ويحذّر هؤلاء من زيادة نسبة التحايل، مطالبين بمقاضاة المسؤولين عن مانحي هذه الإجازات ومستغلّيها، ووضع مراقبين لوقف التلاعب بالإجازات.

ويقول يعقوب ولد لمرابط (44 عاماً)، وهو موظّف، إن الإجازات الوهميّة تؤدّي إلى تراكم العمل، وتزيد الأعباء على الموظّفين الأكثر جدية، نتيجة تراكم العمل وتغيّب زملائهم لفترات طويلة. كذلك، يشير إلى أنّ التساهل في منح التقارير الطبية، وقبولها من قبل الإدارات، والتغاضي عن تغيب بعض الموظفين المحصّنين، يساهم في تفشّي هذه الظاهرة. يضيف أنّ عدداً كبيراً من الموظفين في الإدارات العامة هم أشبه بأشباح يغيبون أكثر مما يحضرون، لافتاً إلى أنّ البعض يتحايلون من خلال تقديم تقارير طبيّة، ويتفرغون لأعمالهم الخاصة.

ويرفض يعقوب تقديم تقارير مرضيّة للاستفادة من الإجازات، لافتاً إلى أن ادّعاء المرض فأل سيئ، وهو نوع من الغش والتحايل يفقد الموظّف احترامه لنفسه واحترام المؤسسة له.
إلى ذلك، لا يساهم احتيال الموظّفين للاستفادة من عطل إضافية في ضياع وقت الإدارة وإهمال العمل فحسب، بل يؤثّر سلباً على سمعة الأطباء، ويجمعهم في خندق واحد مع الأطباء المخالفين، الذين حولوا التقارير الطبية الى تجارة، بحسب الطبيب الحسن ولد محمد سالم. ويقول إنه بعدما أعطى تقارير طبية لأشخاص مرضى وعاجزين عن العمل، رفضت مؤسساتهم منحهم إجازات بحجة أنّها تقارير مزيّفة.

يضيف سالم أنّ "التلاعب يضع الأطباء في موقف اتهامي، خصوصاً أن عدداً كبيراً من الموظفين لا يتردّدون في طلب الحصول على تقارير طبية وهمية من أطباء لا يراعون قيم المهنة، بهدف التغيب عن العمل". ويلفت إلى ضرورة تفعيل الرقابة على التقارير الطبيّة بهدف الحد من الغش والتلاعب. ويشير إلى أن عدداً كبيراً من مرضاه يطلبون الحصول على تقارير طبيّة من أجل الاستفادة من الإجازة، لكنه يرفض كتابتها إلّا إذا كانت حالتهم تستدعي ذلك. يضيف: "يمكن أن أكتب تقريراً في حال كانت الحالة تستدعي ذلك، وكانت الأمراض خطيرة أو معدية أو تتطلب راحة في البيت". يتابع أن "الموظف المصاب بفشل كلوي يستحقّ تقريراً طبياً، إذ يحتاج إلى الذهاب إلى المستشفى والراحة في البيت".

ويدعو الطبيب، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إلى تعيين هيئة طبية لبحث الحالات التي تتقدّم بطلبات كثيرة للحصول على تقارير طبية، أو التي تطلب إجازات طويلة تزيد عن الشهرين أو أكثر. ويلفت إلى أنّ تحميل كامل المسؤولية للأطباء في إصدار الشهادات المرضية الوهمية أمر مجحف، داعياً في الوقت نفسه إلى التعامل بحزم مع الأطباء غير النزيهين، والذين يكتبون تقارير وهميّة.



إلى ذلك، يطالب موظّفون بعدم التعميم، إذ أنّ بعض الأشخاص يضطرّون إلى الحصول على إجازات قصيرة بسبب الإجهاد، ما يجعل الموظف الصادق في مأزق، وقد يحرم من إجازة يستحقهّا.

ويقول الباحث الاجتماعي أحمدو ولد الزين، لـ "العربي الجديد"، إن "غياب الضمير المهني، سواء لدى الموظف أو الطبيب المتساهل، جعل منح الشهادات الطبية حجة دائمة في أيدي الموظفين المتخاذلين الذين يرغبون في الحصول على إجازات قصيرة عدة في العام، مع الحرص على الاستفادة من عطلتهم السنوية، من دون أن تتأثّر رواتبهم". يضيف أنّ الإجازات الوهميّة تساهم في تراجع الأعمال وتدنّي الإنتاجيّة، محذّراً من تجاهل هذه الثقافة التي تحدّ من الإبداع وحب العمل وتشجع على الكسل وتهدر المال العام. ويشير إلى أنّ بعض الموظّفين يتحايلون للحصول على الإجازات، خصوصاً قبل الأعياد. ويقدمون التقاريرالطبية للحصول على إجازة لمدة أسبوع كامل قبل بدء عطلة العيد، أو إجازة بعد العيد. وفي بعض الأحيان، يقدّمونها للحصول على إجازات خلال أيام الأسبوع.

ويؤكّد الباحث أنّ هناك عدداً غير منطقي من الإجازات المرضية والتقارير الطبية المزوّرة التي يقدمها البعض لتبرير الغياب عن العمل، داعياً إلى تجريم هذه الممارسات من خلال توجيه إنذار إلى الموظّف الذي يقدّم شهادات وهميّة كثيرة، وتغريمه في مرحلة لاحقة.
وربّما باتت بعض المؤسّسات قادرة على معرفة الموظّفين الذين يدّعون المرض للحصول على إجازات، وأولئك الصادقين.

دلالات