ضغوط تحكم مهنة التدريس في أميركا

ضغوط تحكم مهنة التدريس في أميركا

15 يناير 2017
تنعكس تلك الضغوط على التلاميذ (تيم بويل/ Getty)
+ الخط -
الضغوط القاسية التي يعاني منها المدرّسون تؤثر سلباً في تنشئة الأجيال على الصعيدين التعليمي والتربوي. هي ضغوط تصل إلى درجة تدفع المدرّسين إلى ترك المهنة خلال سنوات من توليها

أكدت دراسة حديثة صادرة عن جامعة "بنسلفانيا" الأميركية، أنّ المدرّسين في الولايات المتحدة يعانون من ضغوط نفسية ومهنية تصل في مستواها إلى تلك التي يعاني منها الأطباء والممرضون. وتنعكس تلك الضغوط على التلاميذ بالذات، لتؤثر في مستوى تحصيلهم العلمي.
ولأنّ المدرّسين يلعبون دوراً مهماً من ناحية تأثيرهم في المجتمع وفي حياة تلاميذهم، لا على مستوى التعليم فقط، بل عاطفياً واجتماعياً، فإنّ تعرضهم للضغط الشديد في عملهم، وشعورهم بالإنهاك النفسي وعدم الرضا عن عملهم، له عواقب كذلك على المجتمعات وتطورها.

وتشير الدراسة كذلك إلى أنّ 46 في المائة من المدرّسين يشتكون من ضغط شديد ويومي في عملهم. وتتراوح نسبة المدرّسين الذين يتركون مهنتهم خلال السنوات الخمس الأولى من البدء بها بما بين 30 في المائة و40. ينعكس ذلك الترك واستبدالهم بمدرّسين جدد، سلباً في عدة نواحٍ. من ذلك مستوى تحصيل التلاميذ، خصوصاً في موادّ دراسية مهمة كالرياضيات واللغة الإنكليزية. كذلك، يؤثر سلباً في علاقة التلاميذ وأهلهم بالمدرّسين. بالإضافة إلى كلّ ذلك، فإنّ للأمر أثراً سلبياً اقتصادياً إذ يكلف خزينة الدولة سنوياً أكثر من 7.3 مليارات دولار أميركي.
لكن، ما هي الأسباب التي تؤدي إلى شعور المدرّسين بهذا الضغط وترك هذه النسبة العالية، منها التدريس خلال السنوات الخمس الأولى؟

بحسب الدراسة، فإنّ رضا المدرّسين في الولايات المتحدة عن مهنتهم يعتبر الأدنى في معدلاته قياساً بأيّ وقت مضى. كذلك، فإنّ متطلبات التدريس اليومية، غير المنطقية، تثقل كاهل المدرّسين، ناهيك عن شعورهم باللاجدوى لأنّ الإدارات، في الغالب، لا تتفهم متطلباتهم وتنوعها، ولا تشركهم في القرارات المتعلقة بالتدريس، مما يمدّهم بالشعور أنّهم غير قادرين على التغيير أو التأثير.

من جهته، وتعليقاً على الدراسة، يقول أستاذ علم النفس والتنمية البشرية مارك غرينبرك: "تأثير الضغط يؤدي إلى عدم حماس المدرّسين في مزاولة مهنتهم، ما يؤدي إلى ذبولهم وشعورهم بالتشتت بقوة". يتابع: "هناك أسباب عديدة تؤدي إلى ذلك من بينها المتطلبات الإدارية والبيروقراطية التي تصاحب المهنة. كذلك، التحضيرات للامتحانات على نطاق الولايات أو على المستوى الفدرالي. سبب آخر، إنّ كثيراً من التلاميذ يأتون بمشاكلهم البيتية إلى المدرسة التي يقضون فيها ساعات طويلة فيتأثر بها المدرّسون. وإذا لم تتوفر البرامج الاجتماعية اللازمة للتنفيس والمساعدة على مواجهة المدرّسين تلك الضغوط بشكل صحي بدل كبتها، تظهر في عدة طرق".

تشير الدراسة إلى بعض الحلول للتخلص من تلك الضغوط من بينها التدريب من خلال برامج مختلفة منها تدريب "الوعي التام/ Mindfulness". وهو تدريب مستوحى من التعاليم البوذية، لكنّه يُستخدم بشكل واسع في الولايات المتحدة منذ عام 1979، فقد جرى تطويره ليناسب نمط الحياة فيها. ويركز التدريب على التوجه الإيجابي. تشير الدراسة إلى ضرورة توفير برامج إرشاد وتوجيه واستشارة للمدرسين تساعدهم وتشجعهم فلا يشعرون أنّهم وحدهم. وفي حال توفر برامج الصحة في المدرسة كالمركز الرياضي وغيرها فإنّها تساعد على التقليل من الضغط. كذلك، فإنّ توفير البرامج الاجتماعية والفعاليات للتلاميذ تساعد في تخفيف الضغط عن المدرسين، وتأتي بنتائج أفضل للتحصيل العلمي. ولأنّ كثيراً من المدارس لا تعمل ببرامج من هذا القبيل، تجد الدراسة أنّه من الضروري تعميم تلك البرامج على المستوى الفدرالي والولايات.

ليست هذه الدراسة الأولى من نوعها التي تتوصل إلى نتائج كهذه، فقد رصدت دراسات سابقة نتائج مشابهة، ما يؤكد الحاجة الملحّة لتحرك الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات المحلية من أجل المعالجة. ويشعر بعض الخبراء بالخوف من ازدياد الأوضاع سوءاً بدلاً من تحسنها، خصوصاً في ظلّ الإدارة الأميركية الجديدة وانتخاب دونالد ترامب رئيساً. فقد رشح الرئيس المنتخب، بيتسي ديفوس، لمنصب وزيرة التعليم. وكرست ديفوس، المليارديرة، وزوجها مجهودات وأموالاً كبيرة من أجل خصخصة التعليم العام في الولايات المتحدة عامة، وفي ولاية ميشيغان خصوصاً. وكانت تلك السياسات كارثية على كثير من المدارس في نواحٍ عدة، بما فيها أوضاع المدرسين.

ويتعامل نظام خصصخة التعليم العام، الذي تدعمه ديفوس، مع النظام التعليمي كسلعة للربح والخسارة تنطبق عليها معايير السوق فيصبح التلاميذ زبائن، والمدرّسون باعة أو مقدمي خدمات. يغيّب هذا التوجه العديد من الأمور المهمة والأساسية لنجاح أي عمل فيه خدمة اجتماعية ضرورية لبناء المجتمع، كالتربية والتعليم. فمن المتوقع أن تزداد الضغوط على المدرّسين للحصول على نتائج تعليم أفضل، تقاس في الامتحانات حصراً، في الوقت الذي تغيب فيه معايير أساسية أخرى تتعلق ببناء شخصية التلاميذ وتنمية وعيهم الاجتماعي وتحسين علاقاتهم ببيئتهم ومدارسهم.

أخيراً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الخصخصة توسع مجدداً الهوّة بين التعليم الخاص والعام ليس فقط من ناحية ظروفه وجودته، بل من ناحية ظروف العمل في القطاعين. وهو ما يهدد بهروب الكفاءات العالية، وتفضيلها التدريس في القطاع الخاص بظروف عمل أفضل.

المساهمون