مجرّد فصل شتاء

حالة طوارئ. إنّها حالة طوارئ تلك التي تُعلَن. ويكثر إعلانها في الأيّام الأخيرة.

تُعلَن حالة الطوارئ، فيكون استنفار عام في البلاد أو في بعض من مناطق تلك البلاد. الاستنفار أمر موجب، وأخذ الحيطة والحذر ضرورة حتميّة. في ظروف مماثلة، لا بدّ من الحزم. لا مفرّ من الصرامة، حفاظاً على أرواح البشر، من مواطنين ومقيمين.

ليست الدواعي هنا أمنيّة سياسيّة، مثلما قد يُخيَّل إلى بعضنا، للوهلة الأولى. الدواعي هنا مرتبطة بالسلامة العامة، وبسلامة الأفراد كذلك. الأحوال الجويّة متردّية أو هكذا يُقال أو يُظَنّ. فتُصدِر الجهات المعنيّة تحذيراتها وتُتبعها بإرشادات، في نشرات تبثّها أجهزتها عبر مختلف وسائل الإعلام المحليّة. لا بدّ من الوصول إلى كلّ واحد من مواطنيها أو إلى كلّ واحد من المقيمين على أراضيها. سلامة كلّ من هؤلاء أمانة في عنقها.

طقس سيّئ. أحوال جويّة متردّية. انخفاض كبير في درجات الحرارة. موجة صقيع تضرب المناطق الشماليّة. مياه الأمطار المنهمرة تتسبّب في فيضانات بالمناطقة الداخليّة. ثلوج تتراكم على علوّ منخفض. طبقات من الجليد تتكوّن على الطرقات الجبليّة والمرتفعات. رياح ناشطة... تكثر الأخبار العاجلة، ويُنصح السكّان إمّا بملازمة منازلهم وعدم الخروج منها إلا عند الضرورة، وإمّا بتزويد مركباتهم بمستلزمات الإسعافات الأوليّة وغيرها، تحسباً لأيّ عارض على الطرقات. قد تصدر قرارات استثنائيّة بتعليق بعض النشاطات، التربويّة وغيرها.. تحسبّاً.

يُحكى عن عاصفة "غير مسبوقة". لو لم تكن كذلك، لما كانت كلّ تلك الأخبار العاجلة لتنهمر علينا. فيخال الواحد منّا أنّ كارثة طبيعيّة واقعة لا محالة. ونترقّب تلك العاصفة. ونترقّب تلك الكارثة. نترقّبها وقد تهيّأنا للأسوأ، مستندين إلى إرشادات الجهات المعنيّة. من يدرك أكثر منها المخاطر التي تُحدِق بنا في مثل هذه الظروف؟

نترقّب. تشتدّ الرياح. تنخفض درجات الحرارة. تنهمر الأمطار غزيرة. تتساقط الثلوج وتتراكم. فنتحصّن بملابسنا الشتويّة السميكة ونشعل ما توفّر من وسائل للتدفئة ونلجأ إلى ما خزّناه من مواد غذائيّة. ونترقّب الأسوأ. لكن.. إنذار خاطئ. تتكرّر الإنذارات الخاطئة في الأيّام الأخيرة، لا بل في السنوات الأخيرة. ربما صار المعنيّون يستسهلونها. لم لا يفعلون؟

"هذا مجرّد فصل شتاء"! يقهقه عجوز هازئاً. "ماذا لو أنّكم عرفتم شتاء أيّام زمان.. يوم كان فصل الشتاء شتاءً؟ جيل بليد هشّ يفزعه قليل من البرد والرياح والسيول... فيُعلن حالة طوارئ"! وتعلو قهقهته.