الستيني الموريتاني ولد مبيرك: عاشق تاكسي المرسيدس

الستيني الموريتاني ولد مبيرك: عاشق تاكسي المرسيدس

28 سبتمبر 2016
تاكسي المرسيدس القديم (العربي الجديد)
+ الخط -


"لَكْصَرْ الْفُوكْ. الوقفة. بْريمْيير"، يصيح العتيق ولد مبيرك، لاستجلاب الزبائن ونقلهم من "كبيتال" وسط نواكشوط إلى منطقة المقاطعة رقم واحد (تيارت).

يستعمل بوق سيارة المرسيدس القديمة بين حين وآخر، ويلتفت يميناً وشمالا تفرّسا في وجوه المارة بحثاً عن إشارة تدل على زبون، وحين تمتلئ السيارة تبدأ رحلة سائق التاكسي مع القصص والحكايات.

عادة ما يكون سؤال ولد مبيرك للزبون عن ولايته مقدمة لبدء حوار طريف حول مميزات الولاية وأهلها وعيوبهم، ويتعمد السائق معاملة أهل كل ولاية بطريقتهم ويكلمهم باللهجة التي يعرفونها.

تقاعد العتيق (66 سنة) من الحرس الوطني عام 2007، بعد ثلاثة أشهر من التقاعد لم يتحمل البقاء في المنزل، فقد طاف البلاد طولا وعرضاً خلال خدمته العسكرية، وتعرف إلى طبائع مختلف الجهات والولايات في موريتانيا.

يمتلك ولد مبيرك مخزوناً من الذكريات والطرائف؛ من قصص "أهل الشرق" وصراعات القبائل وأصحاب النفوذ خلال المواسم الانتخابية، وانطباعاته عن رؤساء موريتانيا منذ الرئيس ولد هيداله إلى الرئيس ولد الطايع، والذين كان يلتقي بهم خلال تأمينه الاستقبالات الشعبية خلال زيارات الرؤساء إلى الولايات.
يصف هيداله بأنه "بيظاني" يحب الفقراء ويكره البيروقراطية، أما ولد الطايع فهو عسكري يحب السلطة فقط.

علاقة عشق تجمع بين ولد مبيرك وسيارة المرسيدس القديمة، أو "الصيدح" كما يطلق عليها تبركاً بصيدح (فرس) النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبسبب كرهه سيارة "رينو" الفرنسية ينتقل الحديث فوراً إلى المقارنة بين ألمانيا وفرنسا؛ مقارنة تضع الأولى في مرتبة تلامس السماء وتنزل بالأخيرة إلى ما تحت الحضيض، وفق مقاييس السائق الستيني.

يباشر العتيق صيانة سيارته بنفسه، فهو لا يثق بورشات إصلاح السيارات ويتهمها بـ"الغش" وسرقة حديد السيارات، أما البنزين فيشتريه من محطة محددة كل صباح قبل أن يبدأ رحلة البحث عن الزبائن.

تعرض ولد مبيرك لحادث سير قبل سنتين في أحد الطرق الفرعية في نواكشوط، حين فاجأه سائق سيارة "طائش" واصطدمت السيارتان وأصيب بجروح في الوجه وإصابات أخرى. عفا السائق الودود عن السائق ورفض المبلغ الذي دفعته أسرته.

على وقع أغنية قديمة للفنان الشعبي سدوم، تقول: "ريم على القاع بين البان والعلم"، يقابلك ولد مبيرك بمظهره الحاد ووجهه الأسمر الذي حفرته السنون والتجارب؛ يروي مخزونا هائلا من الذكريات والقصص، ويربط كل جديد بالقديم مع زفرة يطلقها بين حين وآخر كفاصل انتقال وإشارة تسليم بـ"القدر وأفعال الزمن".

ارتفاع أسعار البنزين وضعف دخله اليومي هما هاجس ولد مبيرك، مقارنة مع ما يصرفه على سيارته وأسرته، لكنه يفضل العمل حتى لو كان دخله محدودا "بدل الجلوس في المنزل أو لعب الورق في مقر جمعية المحاربين القدامي"، حيث نادي المتقاعدين العسكريين.

النقود ليست مهمة عنده، فقد ترك أحد الركاب حقيبة يدوية في سيارته وحين فتحها وجدها مليئة بالأموال. ذهب ولد مبيرك إلى مفوضية الشرطة. وبعد أيام اتصلوا به لتسليمه مبلغاً مالياً تركه صاحب الحقيبة.

مواعيد الصيانة أقرب إلى الطقوس، ويحرص الرجل على القيام بها بنفسه رغم عروض من أبنائه بغسل السيارة نيابة عنه، يعرف العتيق أدق التفاصيل المتعلقة بسيارته المرسيدس، ويباهي بقدراتها الخارقة، ويقارنها بأحدث السيارات.
يستذكر العتيق رحلته إلى النعمة عام 2008، عندما قطع نحو ألف كيلومتر بسيارته، والمنعرجات التي سلكها خلال رحلته، وتفاصيل خرافية عن مطاردة دورية الشرطة له حين تجاوزهم، وتعطلت سيارتهم التي كانت تطارده.

المساهمون