السكن في طهران يفقر الإيرانيين

السكن في طهران يفقر الإيرانيين

16 سبتمبر 2016
مساكن متواضعة وإيجارات مرتفعة (بهروز مهري/ فرانس برس)
+ الخط -

يرغب كثير من الإيرانيين في تحسين ظروف حياتهم. والوجهة الأولى في هذا السبيل هي العاصمة طهران. لكنّ ذلك لا يمرّ من دون تضحيات كبيرة جداً أبرزها تحمّل غلاء الإيجارات.

يقول غلام زادة، وهو ثلاثيني إيراني تزوج حديثاً، إنّه يرغب في الانتقال للعيش في العاصمة طهران. هو من سكان قزوين (شمال) ويعلم أنّ فرص العمل في العاصمة أفضل كونه خريج هندسة مدنية. كذلك، يعلم أنّ الرواتب أعلى والخدمات أفضل هناك. لكنّه في المقابل، يدرك أنّ تحويل الحلم إلى واقع ليس سهلاً، فالعيش في طهران له ضرائبه الباهظة. كلّ شيء في العاصمة بلا استثناء أغلى من المدن الأخرى، من ذلك شراء أو حتى استئجار سكن... ذلك أكثر ما يقلقه، ويرهق الكثير من سكان طهران أنفسهم.

تتباين أسعار العقارات في طهران وتختلف بين منطقة وأخرى، حتى بات السكن يشكل عاملاً مرهقاً في صلب الأزمة المعيشية في المدينة. تشير دراسة أخيرة أنجزتها "النقابة العلمية لاقتصاد مدن إيران" إلى أنّ السكن هو العامل الأول المسبب للفقر في طهران. جاء فيها أنّ المنطقة رقم 17 هي الأكثر فقراً، تليها المنطقتان 18 و19، وجميعها تقع جنوب وجنوب غرب العاصمة.

يبلغ متوسط سعر كلّ متر مربع في الشقق السكنية في طهران نحو 1300 دولار أميركي. أما في حالة الشقق المستأجرة، فيتراوح الإيجار ما بين 70 دولاراً في المناطق الشعبية جداً ليتجاوز 1500 دولار في الراقية خصوصاً في شمال وغرب العاصمة. لكن، بالإضافة إلى قيمة الإيجار الشهري، يتوجب على كل مستأجر أن يضع مبلغاً، معروفاً بـ"الرهن"، لا يقل عن 10 آلاف دولار في كثير من الحالات. قد يبلغ 5 آلاف في أرخص المناطق، لكن قد يتجاوز 30 ألفاً في المناطق الأرقى. يوضع هذا المبلغ في الحساب المصرفي للمالك كضمان يعيده إلى المستأجر بعد خروجه من منزله عقب انتهاء مدة العقد. ويحصل المالك بالتالي على فوائد مصرفية شهرية تضاف إلى ما يجنيه من الإيجارات الشهرية.

في المقابل، فإنّ الحصول على مبلغ "الرهن" صعب على كثيرين. يضطر هؤلاء إلى أخذ قروض من المصارف يسددونها تدريجياً، وهو ما يزيد الأعباء المالية عليهم.

في ظلّ كلّ هذه التفاصيل، يصبح تأمين منزل للسكن في طهران عبئاً كبيراً على كثيرين، في وقت ترتفع فيه الأسعار والإيجارات باستمرار منذ سنوات. ويتجاوز متوسط الإنفاق الشهري لعائلة إيرانية تعيش في المدن مليوناً و900 ألف تومان (نحو 600 دولار)، على الرغم من أنّ متوسط الراتب الشهري لا يتجاوز مليوني تومان.




يقول صاحب مكتب بديدة للعقارات، علي صيفي، إنّ هذه السوق تعاني من الركود في الوقت الراهن، متوقعاً استمرار الأمر على هذه الحال. يتابع أنّ أسعار العقارات متذبذبة والسوق راكدة، ولا يستطيع كثيرون شراء المنازل. ويضيف لـ"العربي الجديد" أنّه على الرغم من الركود، فالأسعار ما زالت ترتفع، وهذا ينطبق على قيمة الإيجارات أيضاً، وهو ما يزيد الأمور صعوبة على المالكين والراغبين في الاستئجار معاً.

وفي سؤال عن سبب تلاعب هؤلاء التجار بالأسعار ومساهمتهم برفع قيمة الإيجارات، حين تكون سوق شراء العقارات راكدة، لا ينفي صيفي الأمر، بل يكشف علمه بتسبب ذلك في زيادة الأعباء المرهقة على الجميع.

من يزر طهران يلحظ اتساع المدينة وكثافة عدد سكانها، الذين يصل عددهم إلى نحو 14 مليون نسمة. وبالرغم من كلّ الصعوبات الاقتصادية التي يعانونها، وفي ظلّ كلّ المشاكل، يزداد عدد السكان خصوصاً مع الهجرة من الريف إليها. هذا الأمر يؤدي دوره في زيادة أسعار العقارات، وزيادة الفقر بحسب بعض الخبراء.

تشير تقارير وزارة العمل إلى أنّ عوامل الفقر في إيران كثيرة، لكنّها تؤكد أنّ معدلاته أعلى في المدن مقارنة بالقرى والأرياف. وتؤكد التقارير أنه منذ العام 2004 حتى الوقت الراهن، ارتفعت معدلات الفقر في المدن أيضاً، وفي العام 2007 شهدت تحسناً، واستقراراً في 2009، لكنها عادت إلى الارتفاع بعدها.

بعض التقارير يشير إلى أنّ ثلث الإيرانيين يعيشون تحت خط الفقر، وأنّ عدد النساء المسؤولات عن إعالة عائلات فقيرة يبلغ ضعفي عدد الرجال في مثل هذه الحالات. كذلك، تفيد التقارير أنّ 56 مليون مواطن يقطنون المدن، فيما يبلغ عدد السكان الكلي 78 مليون نسمة تقريباً. أما حصة طهران من نسب الفقر فهي الأعلى. ففي طهران 30 في المائة من السكان مسجلون في مراكز الرعاية الرسمية.

بدوره، يقول المتخصص في الشؤون الاجتماعية، البروفيسور حسين باهر، لـ"العربي الجديد"، إنّ للفقر في إيران أسباباً عديدة منها ما يتعلق بتأمين السكن. ويعدد أسباب الفقر: "التنمية غير المتوازنة بين المدن والأرياف، وعدم تساوي الرواتب، واختلاف فرص العمل، والهجرة من الريف إلى المدينة التي ترتبط بالرغبة في تحسين الظروف وإيجاد فرص عمل أنسب، وهو ما يجعل الأمور تلف في دائرة غير منتهية من دون التوصل إلى حلّ".

لا يتوقع باهر أن يكون السكن هو المسبب الأول للفقر في طهران، لكنه يؤكد على صعوبة الأمر بالفعل: "كثيرون يدفعون أكثر من ثلثي رواتبهم لسداد إيجارات بيوتهم في هذه المدينة، وهو ما يزيد الضغط عليهم".

يعتبر أنّ من الضروري تكثيف العمل لتقديم تسهيلات إلى سكان المدن، من ذلك بناء تجمعات سكنية بأسعار مناسبة قد تحل مشكلة كثيرين، وتخفض من معدلات الفقر في الوقت نفسه، خصوصاً أنّ شراء منزل بات شرطاً رئيسياً للزواج، وهو ما يزيد في تعقيد الأمور.