مجتمعات هامشيّة.. دنماركيون من أصول مهاجرة يعانون التمييز

مجتمعات هامشيّة.. دنماركيون من أصول مهاجرة يعانون التمييز

08 اغسطس 2016
على الهامش... (العربي الجديد)
+ الخط -

خلف طاولة صغيرة، يجلس محمد تماماً كما زملاؤه المنشغلون مثله في محادثات هاتفية مع الزبائن. الجميع يحاول إقناع من هم على الطرف الثاني، بالاشتراك في شركة اتصالات خلوية. لكنّ محمد يختلف عن زملائه بعض الشيء، إذ يقدّم نفسه للزبائن تحت اسم "توماس". يقول: "اضطررت إلى إضافة اسم توماس إلى اسمي قبل فترة. لا تستطيع هنا الحصول على عمل باسمك الحقيقي. وقد قضيت بالفعل رحلة طويلة وفاشلة في الحصول على عمل".

محمد أو توماس، ليس حالة منفردة وسط التقارير والجدل حول التمييز في بلد اسكندنافي دعته الأمم المتحدة مراراً إلى "محاربة التمييز عملياً وبطريقة فاعلة"، لا سيّما في اليوم العالمي لمكافحة العنصرية والتمييز في 21 مارس/ آذار من كلّ عام. يُذكر أنّ محمد طالب جامعي في سنته الثانية، إلا أنّه أراد العمل إلى جانب الدراسة "بدلاً من اللجوء إلى قروض مالية، بالإضافة إلى رغبته في اكتساب خبرة في سوق العمل".

تمييز متأصّل

في العام الماضي، كشف "مجلس المساواة" الذي أعدّ بحثاً لصالح "نقابة أرباب العمل"، عن تلقّيه 63 شكوى بسبب "التمييز على أساس العرق" في سوق العمل. وقد توجّه أصحاب 15 قضيّة منها مباشرة إلى مسؤوليهم في مكان العمل، لكنّ واحداً فقط قُبلت شكواه. يُذكر أنّ مكتسبي الجنسية الدنماركيّة يُسمّون "الدنماركيون الجدد"، حتى من أبناء الجيلَين الثاني والثالث المتحدّرين من أصل مهاجر.

على الرغم من ترحيب مدير جمعية "الدنماركيون الجدد" توربن هانسن بالبحث الذي طلبته نقابة أرباب العمل، كمؤشّر إلى الاهتمام بالظاهرة، إلا أنّ الواقع بعيد عن الذهاب في اتجاه تحسّن ملحوظ بالنسبة إلى هؤلاء الشباب. هم مستهدفون بكثير من مشاعر التمييز العرقي والديني، لا سيما بناءً على أسمائهم وكذلك على الحجاب الذي تضعه النساء. يأتي ذلك مع أنّ تجمّع المتاجر الدنماركية يسمح للمحجبات بالعمل في متاجره منذ عام 2013.

في أكتوبر/ تشرين الأول 2015، أظهر مسح أوروبي في 28 دولة، أنّ ثمانية من بين كلّ عشرة دنماركيين يؤمنون بأنّ التمييز العرقي منتشر على نطاق واسع في بلدهم. كذلك فإنّ 78 في المائة من الدنماركيين يرون ذلك التمييز عرقياً، بينما يراه 63 في المائة دينياً. وهذه نسب مرتفعة جداً بالمقارنة مع المتوسّط 50 في المائة في دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

على الرغم من أنّ المسح المشار إليه يظهر أنّ 69 في المائة من الموظفين لا يرون مشكلة في وجود زميل مسلم، إلا أنّ أماكن عمل عديدة تبرّر مثلاً عدم توظيف محجبة بأسباب ترجعها إلى الموظفين والزبائن.

هشام شاب من أصول فلسطينية، يقرّ بأنّه عانى كثيراً عند تقدّمه إلى وظائف. يقول لـ "العربي لجديد": "تقدّمت بنحو مائة طلب عمل، ولم يصلني ولا حتى ردّ واحد. فارتأيت القيام بتجربة وتغيير اسمي. أبقيت على السيرة الذاتية نفسها، وشطبت ما يشير إلى خبرتي الكبيرة في مجال عملي. لم يمرّ أسبوع حتى تلقّيت عشر رسائل لتحديد مقابلة للوظيفة. لم يكن الأمر مفاجئاً بالنسبة إليّ. لكنّه كان صادماً لزملائي وأصدقائي الدنماركيين الذين كانوا يترقّبون النتيجة". ويشير أيضاً إلى معاناة الطلاب من أصول مهاجرة، في إيجاد أماكن تدريب بالمقارنة بغيرهم من الدنماركيين.




أرقام في التمييز السكني

في سياق متّصل، لا يتردد "مجلس الطعون" الدنماركي الذي يتعامل مع شكاوى المواطنين كهيئة رسمية في المجتمع، في الإشارة إلى أنّ "45 في المائة من الدنماركيين الجدد عاشوا تجربة التمييز، وأنّ 25 في المائة من الشباب (18-29 عاماً) عاشوا تجربة التمييز في سوق العمل، وأنّ 23 في المائة من الفئة العمرية ذاتها جرّبوا التمييز في حياة الليل في المدن الدنماركية".

في مايو/ أيار 2015، تناول المجلس قضيّة كثيراً ما اشتكى منها دنماركيون من أصول مهاجرة، ومعهم أحزاب وجمعيات دنماركية تكافح ضد التمييز. القضيّة ترتبط بالتعامل غير اللائق مع طلبات الإسكان. وقد خلص الموظفون في الوحدة المتخصصة في مكافحة التمييز في المجلس، إلى أنّ "التمييز على أساس الاسم الشرق أوسطي منتشر في الجمعيات السكنية. أصحاب الأسماء الدنماركية يتلقون إجابات أسرع وأكثر إيجابية من الباحثين عن مسكن بأسماء أجنبية، خصوصاً من الذكور". انطلاقاً من نتائج بحثه، أشار المجلس إلى أنّ "اسم محمد يحصل على جواب إيجابي بنسبة 27 في المائة، بينما يحصل مادس (اسم دنماركي) على 36 في المائة من الإيجابية في الردّ على طلبات السكن".

ويوضح هيليا سورنسن وهو من المحامين المستشارين في لجنة مكافحة التمييز، أنّ "تلك السياسات التمييزية، التي تعدّ مؤسساتية، خلقت على مدى سنوات عدة ما نراه اليوم من تجمّعات سكنية مكتظة لمواطنين من أصول مهاجرة". يضيف لـ "العربي الجديد" أنّ "ذلك يعني انتشار تجمعات تدفع بالدنماركيين إلى الانتقال من تلك الأماكن ونقل أطفال من مدارسها، انطلاقاً من نظرية أنّ تلك المنطقة فرغت من الدنماركيين. وهذا ما يخلق انطباعاً لدى الأجيال من أصول مهاجرة بأنّها مرفوضة من قبل المجتمع، وتعيش في غيتو".

العيش في ظل الاشتباه

في ثلاث من كبريات المدن الدنماركية، بما فيها العاصمة كوبنهاغن، التقت "العربي الجديد" 25 شاباً ورجلاً دنماركياً من أصول مهاجرة وبعضهم ثمرة زواج مختلط عربي دنماركي. 15 منهم صرّحوا بأنّهم خبروا التمييز على مستويات متعددة، فيما يشير بعضهم إلى أنّه ما زال يعاني منه. يقول يزن: "أحياناً، يثير دخولنا إلى متجر كمجموعة أصدقاء لشراء شيء ما، انتباه الموظفين الذين سرعان ما يبدأون بمراقبتنا بطريقة لصيقة، كأننا دخلنا في دائرة الاشتباه.. كأننا سارقون محتملون. وهذا أمر مزعج جداً بالنسبة إليّ". أمّا جهاد وهو صديق يزن، فيقول: "بالنسبة إليّ، تلك النظرة التي يوجهها لي شاب موظف في مثل سنّي، ليست صادرة عنه بل عن مشغّليه. الأحكام المسبقة كثيرة في هذا المجتمع، على الرغم من أنّني ولدت وكبرت هنا". ويخبر أنّه "في يوم، واجهت شاباً وشابة موظفَين وطلبت منهما عدم الحكم انطلاقاً من الشكل. أصيب الاثنان بخجل شديد واعترفا بأنّ الأمر يتعلق بأوامر ربّ العمل".

إلى ذلك، تخبر يوليا؛ وهي دنماركية متزوجة من لبناني، أنّها كانت في يوم مع ابنها المراهق (16 عاماً) في أحد المتاجر حين "صُدمت بالعيون التي كانت تراقب ابني. قبل ذلك، كنت أظنّ بأنّه يبالغ عندما يحكي عما يحصل. الصدمة جعلتني أبكي حين عدت إلى البيت، بالتزامن مع شعور بعجز كبير ومقت لهذا الجهل المنتشر على الرغم من التحضّر". أرادت يوليا توثيق ما حصل، "لكنّ الجهات التي اتصلت بها أبلغتني أنّ الأمر صعب، إذ إنّ الأمر سوف يكون ادعاءً مقابل ادعاء. وهذا ما يشعرك بمزيد من العجز". تضيف: "أستطيع أن أتفهم اليوم لماذا ابني راح يلازم مسجداً في المدينة لمدّة عام، حيث شعر بأنّه مقبول بشكله وخلفيته ومن دون أن يطعن أحد بهويته. لكنّ المساجد لا يمكن أن تكون بديلاً عن المجتمع الواسع".



إقرار بالمشكلة.. ولكن

تقرّ الشرطة الدنماركية بوجود مشكلة، ومثلها تفعل المنظمات الحقوقية والأحزاب اليسارية. لكنّ المشكلة بحسب سورنسن هي في أنّ "القضية معقدة قانونياً. لا يمكن قبول القضايا إذا لم تكن موثّقة. ويتحوّل الأمر إلى مجرّد ادعاء مقابل ادعاء".

في مجمّع سكني يضم أكثرية مهاجرة، التقى "العربي الجديد" بتربويَّين يعملان مع الشباب في المنطقة، تحفّظا عن الكشف عن هويتيهما. يقول التربويّ سيف إنّ "هؤلاء الشباب كانوا يعيشون كدنماركيين في فترة المراهقة. وحين يصل واحد منهم إلى الثامنة عشرة من عمره، يرغب في دخول المرقص. وحين ينطلق إلى المدينة ويُمنع من الدخول بناء على الاسم المدوّن في بطاقة التعريف الشخصية، يأتي إلينا غاضباً من تكرار هذا النوع من الحوادث. بطريقة أو أخرى، يولّد الأمر كراهية تجاه المجتمع، وتبدأ مشاعر الرفض بالسيطرة. الشعور بأنّهم على الهامش، يؤدّي إلى حياة على الهامش بالفعل".

من جهته، يوضح التربويّ أسعد أنّه "بدلاً من فتح المجال أمامهم، ترى هؤلاء الشباب وهم يبتكرون في مناطق سكنهم وفي الأقبية السكنية تحديداً - وهي ممنوعة -، ما يشبه نوادي يراها السكان مزعجة وتخرج أحياناً عن سيطرة من أسسها لأهداف مختلفة. لكنّ إغلاق الأبواب يخلق أيضاً جواً من التشنج. ولكي أكون صريحاً، هو جوّ من التطرّف عند المراهقين الذين يصلون إلى نتيجة مفادها أنّهم مهما فعلوا، فإنّهم سوف يصطدمون بالرفض بناءً على العرق. وذلك، على الرغم من أنّ بعضهم لا يجيد من لغته العربية شيئاً، وقد ولدوا لأهل وفدوا إلى البلاد وهم صغار". يضيف أنّ "الحلقة المفرغة تبدأ أيضاً في تلك الأماكن السكنية المكتظة. وتنقل وسائل الإعلام بأسلوب سلبيّ وتخوفيّ، ما يدور في البيئة المهاجرة من تحوّل الأقبية إلى ما يشبه الأندية الخارجة عن السيطرة".

يقول مورتن فيسترغوورد؛ وهو ناشط في مكافحة العنصرية والتمييز، من الشبكة الدنماركية لمكافحة الفاشية، إنّ "الأكثر صعوبة هو حين تنقل صحيفة ما، خصوصاً الصحف الشعبية، خبراً حول حالة تمييز، مع كمّ حاقد من التعليقات التي يعبّر عنها أصحابها بأسمائهم الصريحة، وبطريقة أكثر فظاعة ممّا يتعرّض له الشخص من تمييز". يضيف: "هذا أمر متوارث على مدى عقود. ومن المخجل جداً أن نعترف بوجوده أكثر ممّا هو في دول أخرى. فهذا تعبير عن انغلاق وعنصرية متفشية في الواقع تحت ابتسامات النهار".

في أبريل/ نيسان 2015 على سبيل المثال، نشرت صحيفة "إنفارمسيون" وهي من أكثر الصحف رصانة في الدنمارك، تقريراً حول ظاهرة التمييز، جاء فيه: "ثمّة أغبياء وعنصريون كثر بين بوابي الحانات والمراقص، يخترعون سياستهم العنصرية التي تتعارض أحياناً مع توجّهات المالكين. وهذا أمر خطير جداً في عملية الفرز الحاصلة في بلادنا. إنّها تدمّر عملية الدمج وتجعل الأمر أكثر سهولة لحزب التحرير الإسلامي والجماعات الباقية، ليقولوا بقناعة للشباب الغاضبين: الدنماركيون عنصريون والمجتمع غير آبه بكم".

يمكن لمتابع ظاهرة التمييز أن يلحظ أيضاً وعياً بين الشباب الدنماركيين في منتدياتهم التي تنتقد منذ سنوات تلك الظاهرة. وهو أمر يراهن عليه العاملون على إنهاء تلك الظاهرة وتفعيل قانون مكافحة التمييز الذي يغرّم من يرتكبه في الحياة الليلية على سبيل المثال، مبلغ 25 ألف كرونة (أكثر من 3700 دولار أميركي).