نساء اليمن يكسرن المحرّمات

نساء اليمن يكسرن المحرّمات

29 اغسطس 2016
الرجال اعتادوا النساء في الأعمال المنزلية (صالح العبيدي/فرانس برس)
+ الخط -

أدت الحرب في اليمن إلى بروز العديد من الظواهر. من ذلك ما كان بهدف التكيف مع التدهور الاقتصادي الحاد، مثل اضطرار الكثير من النساء للخروج إلى سوق العمل لأول مرة، مع ما في ذلك من كسر للتقاليد والمحرّمات.

تتنوع مهن النساء وحرفهن. فالبعض ينتجن سلعاً بسيطة ومتنوعة اعتماداً على مهاراتهن ومعارفهن الخاصة. أخريات اضطررن إلى الاعتماد على صفحات الإنترنت المختلفة من أجل معرفة طرق تطوير ما يحسّن إنتاجهن لجعله أكثر جذباً في الأسواق.

في منطقة الجراف، شمال العاصمة صنعاء، تخرج إلهام اليريمي لتبيع سلال مهملات عند مدخل سوق محلي مخصص للرجال، وهو ما يثير حفيظة بعضهم. تقول لـ"العربي الجديد" إنّها اضطرت إلى العمل لأول مرة في حياتها من أجل مواجهة متطلبات المعيشة لأسرتها، وذلك عقب إنهاء خدمات زوجها الموظف في شركة لاستيراد البلاط أغلقت بسبب الحرب قبل عام ونصف.

بصنعها وبيعها السلال في الأسواق، كسرت اليريمي العيب التقليدي في مجتمعها المحافظ. تبرر ذلك بالعجز عن الحصول على أي فكرة أخرى من أجل الفكاك من أزمة زوجها الذي أصيب بحالة اكتئاب شديد جراء وضعه الجديد وعجزه عن الوفاء بأهم متطلبات أسرته، بعدما كان ينفق مرتبه المرتفع نسبياً بسخاء، ولم يتوقع أن تغلق الشركة التي كان يعمل فيها بين ليلة وضحاها.

تشرح اليريمي بعضاً من المشاهد التي تمر فيها أثناء عملها: "أتلقى بعض الكلمات العنيفة العابرة عند مدخل السوق بسبب عدم اعتياد الرجال رؤية امرأة بائعة هناك. لكنّي أشعر أنّ كثيرين يتعاطفون معي بسبب وضع الجميع السيئ. وأشعر أنّ كثيرين من بينهم يشترون سلعي من دون أن يكونوا في حاجة إلى شرائها. كما أنّ بعضهم يعطيني مبلغاً من المال كمساعدة من دون أن يشتري، لكنّي أرفض ذلك فيشتري سلة".

تقول إنّها لجأت إلى البيع أمام السوق لأنّ محلات الأدوات المنزلية تعرض عليها أرباحاً ضئيلة لقاء إنتاجها. ومبررهم ضعف إقبال الناس على شراء هذه السلال، فتبيعها مباشرة بنفسها. تعلمت إلهام من موقع "يوتيوب" كيفية تغليف السلال ببعض القماش وتزيينها بأشرطة ملونة لتربح من السلة أكثر من ضعفي كلفة صنعها. وبذلك، تلبي الأرباح أدنى الاحتياجات الأساسية لمعيشة أطفالها وزوجها.




مع استمرار الحرب منذ عام ونصف، تقلّصت أنشطة التكافل الاجتماعي المختلفة، واختفت معها المشاريع الحكومية والخيرية الهادفة إلى دعم الفقراء. في ظلّ هذه الأوضاع، بدأت نساء معدمات في صنع منتجات تقليدية بسيطة مثل بعض أدوات المطبخ والتنظيف، وحاويات حفظ المواد الغذائية، وبُسُط الجلوس، وسلال التسوّق من سعف النخيل والقش المتوفرة محلياً، بالإضافة إلى العمل بمهن مختلفة كالتزيين النسائي (كوافور).

تمتلئ مداخل أسواق السمك وأرصفة الأسواق التجارية المختلفة في مدينة الحديدة الساحلية (غرب) بنساء يبعن هذه المنتجات. وتلقى منتجاتهن رواجاً جيداً بسبب مقاومة سعف النخيل الحرارة الشديدة التي يتسم بها طقس الحديدة، خصوصاً أنّ التيار الكهربائي مقطوع منذ بداية الحرب.

تقول أم فاطمة سليمان إنّها وابنتها توجهتا إلى العمل بعد وفاة زوجها الصياد بمرض حمّى الضنك الذي انتشر في المدينة قبل أشهر وسط غياب شبه تام للخدمات الصحية. تضيف: "لم يترك لنا زوجي شيئاً بعد وفاته، لأباشر تدريب ابنتي الشابة على طريقة صنع بعض المواد من سعف النخيل المنتشر هنا. ابنتي توقفت عن دراستها الجامعية بسبب ظروف الحرب، وتكتفي اليوم بالعمل في السعف في البيت، فهي تخجل من الخروج معي لبيع المنتجات في السوق خشية سخرية الناس منها".

تتابع أم فاطمة أنّ ابنتها بدأت مؤخراً تطوير بُسُط الجلوس وسلال التسوّق عبر إدخال بعض أشرطة السعف بعد تلوينه فيها، لتجني بذلك من ورائها قيمة أكبر، خصوصاً أنّ الكثير من الناس استحسنوا الشكل الجديد، ويقبلون على شراء المنتجات كتحف فنية يمكن تعليقها على الجدران.

في المقابل، تقول الاختصاصية الاجتماعية هند ناصر إنّ "عمل المرأة تستهجنه ثقافة جزء كبير من المجتمع اليمني المحافظ لأسباب مختلفة أبرزها اختلاطها بالرجال واحتمال تعرضها للتحرّش، بالإضافة إلى الخصوصية الشديدة التي يميل الرجال إلى إحاطة نسائهم بها، وامتعاضهم لدى سماع الآخرين أصواتهن أو التحديق في ما يظهر من ملامح وجوههن التي يغطيها النقاب عادة". تضيف ناصر لـ"العربي الجديد" أنّ "بعض الرجال يشعرون بانتقاص رجولتهم، إذا لم يتمكنوا من كفاية نسائهم اقتصادياً. فهم يؤمنون أنّ العمل يقتصر على بني جنسهم فقط".

تجدر الإشارة إلى أنّ نصيب المرأة من مجموع القوة العاملة في اليمن انخفض من 25 في المائة عام 2006، إلى 13 في المائة فقط عام 2013. وتتركز أعمال معظم النساء في مجالات متدنية الدرجة أو عديمة الأجر. وتعاني المرأة من هذا الظلم بالرغم من تزايد أعداد الإناث في التعليم أكثر من أي وقت مضى، وبالرغم من وعود الحكومات المتعاقبة بزيادة مشاركة النساء في قطاعات العمل المختلفة.


المساهمون