حرب عصابات.. السويديون قلقون من العنف المتنامي

حرب عصابات.. السويديون قلقون من العنف المتنامي

29 اغسطس 2016
العنف يسيء إلى السكان وإلى سمعة المنطقة (ديفيد راموس/Getty)
+ الخط -

في 22 أغسطس/ آب الجاري، سقط يوسف البالغ من العمر ثمانية أعوام، ضحيّة لحرب العصابات القائمة في مدينة غوتيبورغ السويدية منذ سنوات، وسط قلق كبير يعبّر عنه البعض فيما يتحفّظ على الحديث فيه بعض آخر.

بالكاد يمرّ أسبوع من دون أن يسجَّل انفجار أو إطلاق نار في إحدى مدن السويد. قد يظنّ البعض أنّنا نتحدّث عن أعمال إرهابيّة ترتكبها مجموعات أصوليّة، لكنّها ليست كذلك، بالتالي لا تأتي في إطار "أجواء الهجمات في أوروبا" كتلك التي تعرّض لها عدد من مدن فرنسا وألمانيا وبلجيكا وغيرها. والسويد التي جذبت آلاف المهاجرين طالبي اللجوء في الأعوام الأخيرة، يشهد مجتمعها تحوّلات كثيرة ليس أقلّها العنف وتغيّر نبرة الترحيب بهؤلاء، وتشددها وتصاعد نبرة اليمين، الذي يستفيد من الأخطاء التي تقع في المجتمعات المهاجرة، وأكثرها مرتبط بعصابات تتنازع دموياً على مناطق نفوذها غير آبهة بالضحايا وبانعكاسات أفعالها على الآخرين.

للسنة الرابعة على التوالي، تتواصل "الحرب العنيفة بين أعضاء العصابات"، وفق تفسير الشرطة السويدية لما يجري. في جنوب السويد وجنوب غرب السويد، ثمّة مدن مثل مالمو وغوتيبورغ، أكثر عرضة من غيرها لهذا النوع من العنف المسلح الذي بات يولّد قلقاً متزايداً لدى السلطات الأمنية والاجتماعية في البلديات. وفي تلك المدن، تتركز أيضاً مجموعات مهاجرة كبيرة في تجمّعات سكنية تنتشر فيها النزاعات والمشاكل الاجتماعية، بالتزامن مع تراجع في الأوضاع الاقتصادية.

مصرع يوسف

في غوتيبورغ، المدينة الثانية بعد ستوكهولم، أدّى تصاعد العنف بين العصابات إلى مقتل طفل في الثامنة من عمره، بعد إصابته قبل أيام (22 أغسطس/ آب الجاري) بشظايا قنبلة وهو نائم. الطفل يدعى يوسف وكان في زيارة مع والدته وأخويه عند أقارب لهم، عندما رمت فجأة مجموعة من الأشخاص قنبلة يدوية من نافذة الغرفة حيث كان ينام. ووفقاً لما ذكره مسؤول التحريات في الشرطة السويدية في المدينة، روبرت كارلسون، فإنّ "ما جرى هو هجوم ثأري مستمر بين أفراد عصابات بهدف القتل، وقد ذهب طفل صغير ضحية ذلك. وهذا يثبت أنّ حرب العصابات تتفاقم نحو عنف غير معقول".

العارفون بمدينة غوتيبورغ، خصوصاً من بين قاطنيها العرب، يعلمون جيداً أنّ حيّ بيسكوبغوردين هو أكثر الأحياء اكتظاظاً بالمهاجرين. وهذا النوع من العصابات ظلّ يكبر ويتمدّد من دون قدرة على لجمه. بدأت القضية بحسب مصادر عربية قاطنة في ذلك الحيّ، "في عام 2012 عندما وقع إشكال حول شابة كانت ترافق شاباً ثمّ راحت ترافق شاباً آخر معروفاً. وكان شجار حول تلك الشابة، احتدم ولم يهدأ حتى يومنا هذا بين أصدقاء طفولة يقطنون في تلك المنطقة". تضيف المصادر أنّ "أحداً لم يتمكّن من تصديق الأحقاد التي طرأت والتربّص الذي يسيطر، من دون أن نرى ما يمكن للشرطة وللسلطات فعله، بهدف وقف هذا العنف المستشري والمسيء للسكان ولسمعة المنطقة".




حرب بين عصابتَين

تدهور الأمور خلّف حرباً بين عصابتَين في المدينة، بعض أفرادهما من أصول مهاجرة. وهو أمر لا يرى فيه عبد الفتاح المهاجر منذ 33 عاماً، "ما يدعو إلى التفاخر. لقد تفاقمت الأمور بطريقة هائلة، من دون أن ينصت أيّ من هؤلاء لما يقوله الكبار أو رجال القانون". يضيف أنّه "بالمعنى الحرفي للكلمة، قسمت المنطقة إلى قسم شمالي تسيطر عليه عصابة، وجنوبي تسيطر عليه أخرى. والعصابتان للأسف تتألفان من أفراد من الشرق الأوسط، بحسب ما يطلقون عليهم رسمياً، على الرغم من أنّهم ولدوا وكبروا هنا".

وفي محاولة لشرح ما يجري، يذكر الناشط في حزب الخضر اليساري، محمد سعيد، أنّ "الشرطة تعلم علم اليقين بأنّ الحرب بين المجموعتَين، التي أدت للأسف إلى موت الطفل يوسف قبل أيام، لا علاقة لها لا بقضايا شرف ولا ما شابه. القصة كلها هي نزاع على مناطق نفوذ لبيع الممنوعات والمخدرات لا أكثر".

من جهتها، تقول الناشطة الاجتماعية، أميرة، من مالمو إنّ "هؤلاء الذين كانوا في التاسعة أو العاشرة في عام 2012، يمثّلون اليوم عصب هذه المجموعات. نحن نتحدّث عن أطفال مراهقين في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة، ينفّذون من دون تفكير في العواقب، أوامر هذه العصابات التي تروّع المجتمعات المحلية في الضواحي، وتخرّب تخريباً عميقاً العلاقة بين أفراد المجتمع وتشوّه صورة العرب والمهاجرين عموماً".

حادثة الحانة

لم يكن مقتل الطفل يوسف الحادثة الوحيدة التي شهدتها منطقة جنوب السويد، ففي شهر مارس/ آذار من العام الماضي، اقتحم شخصان مسلحان برشاشات كلاشنيكوف إحدى حانات غوتيبورغ وراحوا يطلقون النار على الموجودين، فقتلوا ثلاثة أشخاص. اثنان منهم تابعان لعصابة منافسة والثالث كان موزّعاً موسيقياً لا علاقة له بالعصابات، فيما أصابوا 15 شخصاً تراوحت أعمارهم بين 20 و 60 عاماً، معظمهم من الرجال. وفقا لصحيفة "إفتونبلابديت" المسائية الصادرة في اليوم التالي للحادثة، فإنّ "مهمّة أحد المهاجمين كانت تصوير عملية إطلاق النار وإعدام الشخصَين المستهدفَين بالهجوم". وكانت الشرطة السويدية قد أكّدت أيضاً أنّ ما جرى هو "تصفية حسابات بين عصابات متنافسة".

وما يخشاه منذ ذلك الحين كثيرون من سكّان ضاحية بسبسيغورد، التي تقطنها أغلبية مهاجرة، أن تصبح "مناطقنا وأهل بيئتنا المتحدّرون من سويديين مهاجرين، عرضة لكل أنواع الإهمال وسيطرة العصابات على يومياتنا". هذا ما تقوله أم توفيق المهاجرة من أصول لبنانية منذ 24 عاماً. وعلى الرغم من اعتقال ثلاثة رجال بعد تلك الحادثة واتهامهم بالقتل، إلا أنّ استخدام السلاح في المدن السويدية يتزايد منذ عام 2014.

وتأتي حادثة الطفل يوسف قبل أيام، مرتبطة بحادثة الحانة في العام الماضي. أحد المهاجمين في حادثة الحانة، الذي حُكم عليه بالسجن بداية شهر أغسطس/ آب الجاري، كان يعيش في الشقة حيث قتل يوسف. ويظن الخبراء في شؤون العصابات وكذلك الشرطة أنّ إلقاء القنبلة، التي أدت إلى مقتل الطفل، "تأتي من ضمن حرب العصابات المتصاعدة، مثلما كان الأمر عليه في حادثة شهر مارس/ آذار من العام الماضي. فالعصابات لا تتوانى عن استخدام قنابل يدوية"، وفقاً مسؤول التحريات في الشرطة السويدية في غوتيبورغ، روبرت كارلسون.

إلى ذلك، شهد شهر يونيو/ حزيران من العام الماضي مقتل طفلة في الرابعة من عمرها، في سياق حرب العصابات، وذلك حين تم تفجير شحنة ناسفة بإحدى السيارات في غوتيبورغ. وقد قتل في تلك الحادثة ثلاثة أشخاص إلى جانب الطفلة، كان أحدهم مرتبطاً بعصابة منافسة. ويقول في هذا الإطار، شاب يعمل في مكتب إرشاد شبابي فضّل عدم الكشف عن هويته، إنّ "القلق بين سكان ضواحي غوتيبورغ يبدو كبيراً مع تزايد العنف ولا مبالاة هؤلاء المجرمين بحياة الناس واستهدافهم مجموعة واسعة من الناس، بما في ذلك الأطفال، لإصابة أو قتل شخص منافس لهم".



الدولة فقدت سيطرتها

في سياق متّصل، كانت الشرطة السويدية قد حذّرت، في تقرير شامل عن "مناطق تعاني اجتماعياً"، أصدرته في عام 2014، من "فقدان الدولة السيطرة على تنامي ظاهرة العصابات". وقد خرجت الشرطة السويدية والسلطات العاملة في الحقل الاجتماعي بتحذيرها هذا، بعدما شهد عام 2014 وحده خمسين حادثة إطلاق نار في غوتيبورغ، من بينها 13 حادثة في حيّ بيسكوبغوردين. وترى الشرطة السويدية كذلك أنّ انتشار البطالة والاكتظاظ السكاني وتفاقم مشاكل الاندماج الاجتماعي، كلها عوامل تؤدّي إلى انتشار جرائم العصابات.

وتقرّ الشرطة السويدية بأنّها لا تملك "صورة شاملة عن عدد أفراد العصابات وما سبّبته أعمالهم من أذى، وذلك بسبب إحجام كثيرين عن الإدلاء بشهاداتهم التي تشير إلى الفاعلين من ضمن مجتمعات مغلقة جداً في عالم العصابات والإجرام"، بحسب ما يؤكّد كارلسون.

إلى ذلك، وفي إحصائية نشرتها صحيفة "داغنس نيوهتر" (أخبار اليوم) السويدية، فإنّ "حرب العصابات أودت بحياة 12 شخصاً في غوتيبورغ بين عام 2013 وعام 2015، في حين شهدت المدينة خلال عامَين مائة حادثة إطلاق نار". وأضافت الصحيفة، نقلاً عن شرطة غوتيبورغ، أنّ "الاعتداءات تزايدت خصوصاً في نهاية عام 2015 وبداية 2016. وقد قمنا باعتقال نحو ثلاثين شخصاً حتى الأسبوع الأخير من شهر أغسطس/ آب الجاري".

من جهة أخرى، وفي العاصمة ستوكهولم، ثمّة أحداث تقع هي تصفية لحسابات بين العصابات. لكن، بحسب ما يفيد البروفسور في علم الجنايات، يارزي شارينسكي، من جامعة ستوكهولم، فإنّ "حوادث غوتيبورغ تبدو أكثر حدّة ووضوحاً بسبب درجة العنف الممارس من قبل العصابات". ويوضح شارينسكي في حديث مع القناة السويدية الرسمية "إس تي في"، أنّ "غوتيبورغ تدخل في حلقة مفرغة من العنف. وللأسف، فإنّنا نخشى أن يشهد الأمر تصاعداً مرعباً في المستقبل. فهؤلاء (أعضاء العصابات) لا شيء في عقولهم سوى إيذاء منافسيهم، واليوم نشهد مرحلة التصفية الجسدية".

وما يخشاه البروفسور شارينسكي، الذي سبق وتعامل مع العنف في صفوف عصابات الروك، أن "يصل المستوى الخطير إلى استهداف عوائل أعضاء العصابات المنافسين، على أساس أنّهم أعداء كذلك. وما نشهده اليوم في غوتيبورغ من شأنه أن يولّد ردود فعل وانتقاماً في دائرة مفرغة من العنف". ويرى شارينسكي أنّ الشرطة تعاني من صعوبات جمّة، "فهي غير قادرة على لجم ما يجري بسبب انغلاق تلك البيئة، التي تحمل في الأساس مواقف سلبية من الشرطة". بالنسبة إليه، "ما يمكن فعله هو فقط وقف تجنيد المراهقين، من خلال منحهم أملاً أفضل بالمستقبل من خلال الدراسة. هكذا يصبح لديهم شيء يخسرونه في حال انضموا إلى تلك العصابات".

ولعلّ الخشية لدى بعض السويديين والمهاجرين، على حدّ سواء، تتمثّل كذلك في الاستغلال اليميني المتشدّد لانتشار أعمال العنف في المدينة الثانية في السويد، ولخلق بيئة ورأي عامّ يقبل التشدّد والانغلاق، اللذَين بدأت تعتمدهما حكومة الحزب الاجتماعي الديمقراطي منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وذلك بعد استقبال السويد نحو 160 ألف طالب لجوء. وأكثر من ذلك، تذهب صحف عدّة إلى التحذير من أنّ "بيئة التشدّد" باتت تتشكل اليوم في صفوف العصابات. بالتالي "يصبح من السهل على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) تجنيد هؤلاء الشبان الغاضبين"، وفقاً لما ذهبت إليه صحيفة "كريستلي داوبلاديت" الدنماركية في عام 2014، وذلك في إشارة إلى أنّ "غوتيبورغ هي المدينة الأكثر مساهمة في دول الشمال بانتماء شبانها إلى تنظيم داعش. فقد سافر مائتا شخص من المدينة للانضمام إلى صفوف مقاتليه".