عنصرية التلاميذ.. المدارس البريطانية تعاني

عنصرية التلاميذ.. المدارس البريطانية تعاني

19 اغسطس 2016
بلد متعدد الأعراق لكن... (مات كاردي/ Getty)
+ الخط -
بريطانيا بلد متنوّع الأعراق والأديان يفرض فيه القانون احترام كلّ مواطن، بصرف النظر عن عرقه ودينه. ولا يحق لأي شخص أن ينادي آخر بألفاظ عنصرية بسبب لون بشرته المختلف أو عرقه أو خلفيته الدينية، حتى لو كان المعتدي طفلاً. لكنّ المدارس البريطانية تسجل العديد من الحوادث العنصرية يومياً.

تقول سارة (اسم مستعار، 42 عاماً) وهي سورية مقيمة في لندن، لـ"العربي الجديد"، إنّها فوجئت حين استثني ابنها من دعوة إلى عيد ميلاد أحد زملائه في الصف: "لأنّنا لسنا بولنديين على الرغم من كوننا مسيحيين". تتابع أنّ المسألة ليست دينية على ما يبدو أو نتيجة ما يحدث من أعمال إرهابية خلال هذه الفترة، بل يبدو أنّ بعض الأشخاص يرفضون الآخر المختلف عنهم، حتى لو كانوا هم أنفسهم ليسوا من أهل البلاد الأصليين، بل يرفض الكثير من سكّان بريطانيا وجودهم في بلادهم. تضيف أنّ ابنها الذي لم يتجاوز السادسة ولد في بريطانيا ونشأ في مدارسها. لكنّ كلّ ذلك لم يشفع له لدى زميله، الذي قرّر أن يستثنيه وحده من حضور عيد ميلاده. وعن شعور ابنها، تقول إنّه ببراءة سأل صديقه إن كان قد نسي أن يعطيه بطاقة دعوة، لكنّ الأخير ردّ عليه ببراءة مماثلة، أنّ والديه طلبا منه عدم دعوة أي تلميذ غير بولندي. وتؤكّد أنّ ذلك أثار مشاعر من الحزن والغضب لدى ابنها، الذي راح يطرح عليها أسئلة لم يتطرّق إليها بتاتاً في الماضي.

لم تبلّغ سارة إدارة المدرسة، خشية إثارة بلبلة قد تؤذي ابنها أكثر ممّا تفيده. وبالطبع مثل هذه الحوادث العنصرية التي لا تصل إلى مسامع المسؤولين في المدارس كثيرة، لكنّها لا تسجّل إمّا لأنّ أحداً لا يعرف عنها من الطاقم التعليمي، أو لأنّها قد لا تصنّف بالحوادث العنصرية الخطيرة.

بدورها، تقول ناديا (58 عاماً) وهي لبنانية مقيمة في لندن منذ أكثر من عشرين عاماً، إنّ "الأحداث العنصرية في المدارس ليست جديدة، بل موجودة منذ سنوات، خصوصاً عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة". تروي أنّ ابنها آنذاك كان في الثامنة من العمر حين اتهمه زميله في المدرسة بأنّ له علاقة بتلك الأعمال الإرهابية، بل امتنع الزميل عن مرافقته أو اللعب معه، مما دفعها إلى تبليغ إدارة المدرسة التي تقول إنّها "تعاملت مع الموضوع بجدّية وصرامة" من دون أن توضح كيفية ذلك.

العام الماضي، جرى تصنيف أربعة آلاف حالة من ضمن الاعتداء العنصري الخطير بين تلاميذ المدارس في بريطانيا. نتج عن ذلك دعوات تطالب بتحسين التنوّع الاجتماعي والنظر في إنشاء مدارس جديدة. لكنّ مدارس شمال البلاد، والمدن الساحلية، شهدت زيادة في أعداد الحوادث العنصرية المسجّلة، وثبت لدى السلطات المحلية في منطقة ريتشموند في لندن، أعلى نسبة من التلاميذ المستبعدين عن المدارس بشكل ثابت نتيجة سلوكهم العنصري.



منذ عام 2009 ارتفعت نسبة حوادث العنصرية، التي تحطّ وتهين الآخر، بمعدل 20 في المائة. ومن بين هذه الحوادث البيانات العنصرية والمضايقات والكتابة على الجدران والتعنيف، مما أدّى إلى استبعاد أكثر من 27 ألف تلميذ من مدارسهم منذ ذلك الوقت بسبب تسجيل ارتكابهم أعمالاً عنصرية.

عام 1976، نصّ قانون العلاقات العرقية على أنّ من واجب المدارس والهيئات الإدارية ضمان ألاّ يواجه التلاميذ أي شكل من أشكال التمييز العنصري، بما في ذلك الاعتداءات والمضايقات في مختلف أشكالها.

من جانبها، تنصح منظّمة "حياة الأسرة"، التي تهتّم بشؤون العائلة في بريطانيا، أنّه في حال تعرض التلميذ إلى مضايقات عنصرية، ينبغي عليه أن يخبر والديه، وأن يطلب منهما التحدّث إلى الشخص المسؤول عن مرحلته التعليمية. كما يفترض أن يسجّل التلميذ ملاحظات مكتوبة عمّا يتعرّض له من إهانات عنصرية، ومن قبل أيّ كان، ولأيّ سبب كان. هذه الملاحظات من شأنها أن تساعد المدرسة على الكشف عمّا يجري بالتحديد. وفي حال عجز المدرسة عن فعل أي شيء من شأنه إيقاف الحوادث العنصرية، على الأهل أن يبلّغوا الشرطة بالأمر. كذلك، تدعو المنظمة الأهل في الحالات الخطيرة إلى السؤال عمّا إذا كان هناك وحدة خاصة بجرائم الكراهية لدى الشرطة المحلية، لرفع الشكاوى المتعلقة بالحوادث العنصرية إليها.

بدوره، يقول مدير البحوث والحملات في منظمة "شبكة مدارس جديدة"، المعنية بإنشاء مدارس مجانية ترعاها الدولة في البلاد، جيمس جونسون، لـ"العربي الجديد"، إنّ "من المرجّح أن يكون المعدّل الحقيقي للاعتداءات العنصرية أعلى بكثير من المعلن عنه، لأنّ الأرقام التي يجري احتسابها ترتبط فقط بالحوادث التي اعتبرت خطيرة بما يكفي لاستبعاد تلميذ من مدرسة". ويتوقّع أن تكون هناك حوادث أخرى قد لا تكون في غاية الخطورة إلى حدّ تبرير الإقصاء.

أمّا عن عمل المنظمة، فيقول جونسون إنّ "الحصول على موافقة لإنشاء مدرسة مجانية يتطلب موافقة الحكومة، وذلك بعد أن يثبت مقدم الطلب الحاجة إلى المدرسة في المنطقة المقصودة". لذلك، أدرجت المنظمة فئة جديدة تدعى "حاجة اجتماعية" تعتقد أنّها قد تساعد على تعايش مجتمعات وجماعات مختلفة معاً. يشير جيمس إلى أنّ مديرة المنظمة، سارة بيرسون، قالت في بيان صحافي لها إنّ إضافة فئة "حاجة اجتماعية" إلى معايير المدارس المجانية يفتح الباب أمام المدارس والجمعيات الخيرية والمنظمات المجتمعية الأخرى، للمضي قدماً في خلق المزيد من الأفكار، التي تهدف إلى إنشاء مدارس تسعى إلى بناء مجتمع متماسك. ولفتت إلى أنّ "شبكة مدارس جديدة" تقوم بأعمال رائعة في مجتمعاتها لتحطيم الحواجز بين الأطفال من إثنيات وثقافات وطبقات اجتماعية مختلفة. وأكملت أنّهم يتناقشون في الواقع مع عدد من الجماعات التي تهتم بمسألة الاندماج في المجتمع، وتتوقّع أن تتبع الكثير منها خطاهم.

وتفيد منظمة "حياة الأسرة" أنّ الشرطة بدأت بتسجيل الحوادث العنصرية بشكل منفصل عن غيرها منذ عام 1988. أمّا عن ارتفاع أرقامها، فتلفت إلى أنّ الأمر يعود جزئياً إلى زيادة الرغبة في الانخراط في المجتمع، وأيضاً إلى أنّ التكنولوجيا سهّلت التبليغ عن تلك الحوادث عبر الإنترنت.

دلالات

المساهمون