أطفال سوريّون وبدون على أرصفة الكويت

أطفال سوريّون وبدون على أرصفة الكويت

08 يوليو 2016
ينتظر أي زبون (العربي الجديد)
+ الخط -
تحت لهيب شمس الكويت الحارقة، يجلس عشرات الباعة غير النظاميّين، عارضين بضائعهم المكوّنة غالباً من الفاكهة والخضار، ينتظرون قدوم الزبائن ويخشون مداهمات البلديّة والجهات المسؤولة في الوقت نفسه.

في شوارع المناطق الراقية في الكويت، يجلس هؤلاء الباعة على الأرصفة، غالبيّتهم من الأطفال السوريّين أو البدون، آملين في تحسين أوضاعهم المعيشية وزيادة دخل عائلاتهم التي تعتمد عليهم إما جزئيّاً أو كليّاً. غالبيّة هؤلاء كانوا قد تسرّبوا من مقاعد الدراسة في عمر مبكّر، بعدما جذبتهم الإغراءات المالية، في ظلّ ظروفهم المعيشيّة والمادية الصعبة.

يقول باسل، الطفل السوري الذي لا يتجاوز عمره الـ14 عاماً، لـ"العربي الجديد": "يبدأ عملي في الساعة العاشرة صباحاً وينتهي في الرابعة عصراً. أعمل في هذا المكان منذ تسعة أشهر تقريباً، ولم يتعرض أحد لي بسوء. أسمع كثيراً أن البلدية تداهم المكان وتصادر البضائع. لكن عادة ما يشتري منّي رجال الشرطة، ويتركون لي البقشيش". يضيف: "لا فائدة من إكمال الدراسة بالنسبة لشخص مثلي. تركت المدرسة قبل سنتين بعدما أتقنت القراءة والكتابة. جميع أشقائي الأكبر سناً لم يكملوا دراستهم. أنتمي إلى عائلة غير متعلّمة، وغالبيّة أبناء مدينتي (دير الزور) من الحرفيّين وأصحاب المهن اليدويّة. نعيش هكذا منذ مدة طويلة. العمل هنا يمكّنني من جمع المال والمساهمة في تأمين مصاريف العائلة ودفع رسوم الإقامة والغرامات التي تُفرض علينا كمقيمين". يتابع: "لم يجبرني أحد على العمل في هذه المهنة. على العكس، نصحني أخي الأكبر بإكمال الدراسة، لكنني أخبرته بأني أفضّل العمل".

ينتمي باسل إلى جيل المهاجرين السوريين الذين ولدوا في الكويت، بعدما جاء آباؤهم من منطقة دير الزور في شرق سورية قبل الثورة بسنوات، للعمل في مجال البناء أو الحرف، وعلقوا في الكويت بسبب الصراع في سورية. وفي مكان آخر من ضواحي الكويت العاصمة، يجلس عبد العزيز (27 عاماً)، وهو من البدون، على سيارته المليئة بالبطيخ. يقول لـ"العربي الجديد": "هذه مهنتي منذ عشرة أعوام. أبيع الفاكهة في الصيف والفقع (الكمأة) في الشتاء. وفي أوقات الفراغ، أعمل سائقاً لسيّارة أجرة بشكل غير نظامي".

يضيف عبد العزيز، الذي يستعدّ للهجرة من الكويت قريباً، أن "الميزة في مشاريع كهذه هو أنك تكون سيد نفسك". ويلفت إلى أن الأيدي العاملة قليلة بسبب الحر الشديد، موضحاً أننا لا نوظّف أشخاصاً من الجنسيات الآسيوية كالبنغال والنيباليين، لأن الشرطة لا تتعاطف معهم، بعكس البدون والسوريّين. يتابع أن اختيار الأطفال للقيام بهذه الأعمال لا يعد استغلالاً كما يدّعي البعض. نحن نمنحهم عملاً وراتباً جيداً، وهو خيرٌ لهم من التسكع في الشوارع. وفي حال ثبت أن الأهل أجبروا أولادهم على العمل، تتدخل الشرطة فوراً.



من جهة أخرى، فإن موظفي البلديات والمسؤولين عن فرض النظام والصحة الغذائية في الشوارع يقعون في معضلة أخلاقية نتيجة عمالة الأطفال في الشوارع. ويقول المراقب العام في بلدية جليب الشيوخ، أحمد المطيري، لـ"العربي الجديد": "عندما يأتي أمر بمصادرة بضاعة بائع متجول، نجد أنفسنا بين نارين: تطبيق القانون وعدم تطبيقه تعاطفاً مع البائع. الكثير من هؤلاء الباعة هم أطفال سوريون تجبرهم عائلاتهم على العمل. أستغرب صمت منظمات حقوق الإنسان".

بدوره، يرى علي الشمري، وهو بائع سابق من فئة البدون، وقد أكمل تعليمه وحصل على وظيفة، أن إجبار الأهالي أطفالهم على العمل ليس حقيقياً. طوال مدة عملي، لم ألحظ أمراً مماثلاً أو حدوث مشاكل بين الباعة أنفسهم. وفي حال حدوث أي مشاكل، تُحل بطريقة ودية".

إلى ذلك، يقول رئيس منظمة "كويت ووتش" لحقوق الإنسان، نواف الهندال، لـ"العربي الجديد"، إن دور الأسرة مفقود في ظلّ غياب الرقابة الحكوميّة، عدا عن الاعتقاد بعدم نفع الدراسة في ظلّ انعدام فرص التوظيف. يضيف: "أعتقد أن دور الحكومة يتمثل في توعية الأسر والأهالي، ودراسة حالاتهم بشكل دقيق، ومساعدتهم كي لا يضغطوا على أطفالهم ليعملوا كباعة متجولين".

وتوضح الخبيرة الاجتماعية مها عبد الرزاق أنه "من الخطر ترك الباعة المتجولين من دون تعليم أو دمج في المجتمع". ويلفت إلى أن آثار العزلة التي يعيشونها ستكون مخيفة في ما بعد". تضيف: "تكمن أهمية المدارس في اختلاط التلاميذ واندماجهم في النسيج الاجتماعي"، لافتة إلى أن هؤلاء المعزولين سيصبحون عرضة للانضمام إلى الجماعات المتطرفة أو التنظيمات المعادية للدولة أو عصابات السطو والنهب".

دلالات