"جنّة" لبنان.. سدّ مياه "يرحّب" بالاحتباس الحراري

"جنّة" لبنان.. سدّ مياه "يرحّب" بالاحتباس الحراري

بيروت

عبد الرحمن عرابي

avata
عبد الرحمن عرابي
05 يوليو 2016
+ الخط -
أجّل مجلس الوزراء اللبناني بحث ملف "سدّ جنّة" ثلاث مرات على التوالي. هو ملف خلافي يُجمع الوزراء المتخاصمون على طابعه البيئي. مع ذلك، فقد وجد الملف طريقه إلى طاولة مجلس الوزراء التي تُبتّ الملفات فيها بالتوافق السياسي. وهو أمر أثبتته أزمة النفايات التي استمرت طوال 8 أشهر ولم ينهها سوى توافق وزاري على إنشاء مطامر، بالرغم من إجماع المنظمات والجمعيات البيئية على خطورة هذه المطامر ووجود خيارات بديلة.

بدأت الأعمال في سدّ جنة عام 2013 بعد إقرار البرلمان اللبناني "الاستراتيجية الوطنية لقطاع المياه" في مارس/ آذار 2012. وقد أكد وزير البيئة محمد المشنوق، في تصريحات صحافية، على "تعاون وزارتي الطاقة والمياه في إخضاع هذه الاستراتيجية إلى تقييم بيئي استراتيجي". لكنّ الخلاف السياسي حول الملف يؤكد أنّ هذا التعاون ليس في أفضل حالاته، وهو خلاف ساهم في تسليط الضوء على عديد من التساؤلات والتحذيرات التي أطلقتها جمعيات بيئية محلية وناشطون من مخاطر إقامة السد قبل أعوام، ولم تجد صدى فعلياً لدى الرأي العام المحلي.

وزارة الطاقة مستمرة

يؤكد مستشار وزير الطاقة والمياه لقطاع المياه ومشاريع السدود، المهندس زياد زخور، استمرار العمل في المشروع "بناءً على الجدوى المتوقعة منه، وبعيداً عن أي ارتباط سياسي في الملف". ويشير زخور، في حديث إلى "العربي الجديد"، إلى أنّ "الدراسات الوحيدة التي أجريت حول سد جنة هي الدراسات التي طلبتها وزارة الطاقة والمياه ومصلحة مياه بيروت. ومختلف الدراسات أثبتت إمكانية إنشاء السد هندسياً وتقنياً وجغرافياً أيضاً".

يعود زخور خلال الحديث عن استراتيجية إقامة السدود في لبنان إلى "الواقع غير السليم القائم على استهلاك المياه الجوفية من دون رؤية مستقبلية". وهو ما أدى إلى "وجود 77 ألف بئر مياه عشوائي ومرخص في مُختلف المناطق اللبنانية، تتوزع بواقع 8 آبار في كلّ كيلومتر مربع واحد. وقد أدت كثرة الآبار هذه إلى تسرّب مياه البحر إلى مخازن المياه الجوفية في المناطق الساحلية". ومع تقدير زخور لوجود نحو 500 مليون متر مكعب من المياه الجوفية المتجددة سنوياً، انطلق البحث في وزارة الطاقة قبل عقدين عن مصادر بديلة للمياه: "استقر الأمر على تخزين المياه فوق سطح الأرض للاستفادة منها من خلال إنشاء سدود في أحواض الأنهار قبل وصولها إلى البحر". يتناول زخور في حديثه معظم التساؤلات التي أثارتها الجمعيات البيئية اللبنانية حول السد، كالخطر البيئي، وخطر التسرّب، والكلفة، وخطر الزلازل، وطريقة إدارة المشروع بعد تشغيله المفترض، وتورط الشركة التي فازت بمناقصة الإنشاء بقضايا فساد. ويؤكد المستشار أنّ "عدداً من الدراسات جرى إعدادها استجابة لهواجس أثارها خبراء لبنانيون في عدد من المجالات".

737 مليون دولار

يرفض زخور إحدى الدراسات التي تستند إليها جميعات بيئية محلية للتحذير من المشروع، وهي من إعداد مؤسسة "BGR" الألمانية. يضع مستشار وزير الطاقة علامات استفهام حول "منهج عمل المستشار الألماني الذي زار لبنان وأجرى هذه الدراسة". يقول إنّ فريق الوزارة "لمس تناقضات جدية في نتائج عمل الخبير الذي زار عدداً من الأنهار والسدود وعمل على قياس نسبة تدفق المياه فيها وغيرها من المؤشرات، وقد تناقضت نتائجه مع المؤشرات الإلكترونية لأجهزة القياس الموجودة على هذه السدود".

على صعيد المخاوف من تسرب مياه السد، يؤكد زخور أنّ "تسرب المياه من السدود أمر مسموح به ضمن حدود معينة في مشاريع مماثلة، والتحكم بها ممكن". كما يتطرق زخور إلى خطر الزلازل فيؤكد "إجراء 3 دراسات طلبتها الوزارة من أكاديميين لبنانيين بعد الادعاءات بشأن تأثر السد بالفوالق الزلزالية. وهي دراسات تناولت أثر السد على النشاط الزلزالي في المنطقة والعكس". ويشير زخور إلى أنّ "تصميم السد الذي نشرته مجلة علمية فرنسية لحظ خطر الزلازل في منطقة تبلغ مساحتها 475 كيلومتراً مربعاً".

لدى سؤاله عن تورط الشركة البرازيلية المتعهدة بناء سد جنة "أندرادي غوتييرز/ Andrade Gutierrez" بملفات فساد مالي ودفع رشاوى في بلدها الأم، يؤكد مستشار وزير الطاقة أنّ التعاقد مع هذه الشركة "سبق هذه الادعاءات، وجرى بناءً على مناقصة بين 7 شركات عالمية تنافست بناءً على دفتر شروط أعدّه فريق الوزارة ومصلحة مياه بيروت".
لا يقدم زخور رقماً نهائياً وشاملاً لكلفة بناء السد، لكنّ جمع الأرقام التي عددها يظهر أنّ كلفة السد 737 مليون دولار أميركي (237 مليوناً كلفة تلزيم بناء السد والبحيرة والمنشآت التابعة للسد فقط، و320 مليوناً مراحل تشغيل، و30 مليوناً استملاك أراض، و50 مليوناً لجر المياه ومعالجتها، مع صرف 100 مليون على المشروع حتى اليوم).

كما تشكل "دراسة تقييم الأثر البيئي للمشروع" أحد أبرز أوجه الخلاف بين وزارة الطاقة من جهة، وبين وزارة البيئة والجمعيات البيئية من ناحية ثانية.
يؤكد زخور أنّ "دراسة تقييم الأثر سبقت تنفيذه كما تنص القوانين، ثم قرر وزير البيئة طلبها بعد عام ونصف على بدء الأشغال في منطقة المشروع، بأن تقوم وزارة الطاقة بطلب إعداد خطة بيئية لإدارة المشروع وضعتها شركة جيوكوم".

يتابع أنّ "الإدارة البيئية للمشروع تشمل كلّ ما يتعلق بالطبيعة: من نسب التبخر التي لن تكون سلبية كا يظن البعض، وأيضاً من ناحية ترميم المساحات الخضراء من خلال زرع المزيد من الأشجار في كل منطقة جبيل. وهناك التزام جدي وميزانية مرصودة لهذا الموضوع". يشير زخور إلى أنّ المتعهد الذي باشر الأعمال حفر نفقاً بطول 600 متر وعرض 8 أمتار.

جنّة عشتروت باتت نفقاً

ساهمت الصور والفيديوهات التي نشرتها حملة "طلعت ريحتكم" مع الوثائق والدراسات التي نشرتها "الحركة البيئية اللبنانية" في الإشارة إلى السلبيات العديدة للمشروع على المستويين البيئي والاقتصادي لمنطقة نهر إبراهيم. وهي المنطقة التي تتحدث عنها الأساطير الفينيقية، خصوصاً العلاقة بين الإلهة عشتروت والإله أدونيس. تظهر اللقطات المصورة التي رصدتها كاميرا تصوير جوي لـ"طلعت ريحتكم" كشف أعمال السد للغطاء النباتي عن منطقة واسعة من محيط النهر، وهي منطقة توجد فيها "70 في المائة من أنواع النباتات في لبنان"، بحسب الحملة. وبحسب دراسات عرضتها "الحركة البيئية اللبنانية"، فإنّ آراء خبراء محليين ودوليين تشير إلى "عدم جدوى السد اقتصادياً إلى جانب خطره الكبير على البيئة والتنوع الإيكولوجي في محيط نهر إبراهيم".



نشرت الحركة هذه الدراسات تحت عنوان: "الردّ العلمي والقانوني للحركة البيئية اللبنانية على ادّعاءات وزارة الطاقة حول سدّ جنّة"، وعرضت فيها آراء لـ"المركز الوطني للبحوث العلمية"، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، وشركات استشارية وهندسية أوروبية. تؤكد الدرسات أنّ "الادعاء بعدم وجود صخور كارستية (تُسرِّب المياه) في منطقة نهر إبراهيم تنفيه دراسات صادرة عن وزارة الطاقة نفسها، إلى جانب ملاحظات المركز الوطني للبحوث العلميّة في شأن عدم لحظ طبيعة الصخور في منطقة إنشاء السد أثناء إعداد دراسات تنفيذه". ويبلغ الفرق بين كمية المياه الجوفية التي قدّرها مستشار وزير الطاقة، والدراسات التي تستند إليها الحركة البيئية، عدة أضعاف. ففي حين يقول زخور إنّ كمية المياه الجوفية المتجددة تبلغ 500 مليون متر مكعب سنوياً، تعرض الحركة البيئية دراسة لـ"UNDP" تقول إنّ "حجم المياه الجوفيّة يبلغ 3 مليارات متر مكعب متجدّدة سنويّاً". وهو ما ينفي، بحسب الحركة "الحديث عن أنّ أغلب الأحواض الجوفيّة مضغوطة أو عاجزة".

مخاطر متنوعة

لدى الحديث عن خطر الزلازل، تشير الحركة البيئية إلى التقرير الصادر عن شركة "أرتيليا" المكلفة من مصلحة مياه بيروت والذي يظهر إمكانية تعرض السد لزلزال بقوة 8.5 درجات على مقياس ريختر، مقابل ادعاءات الوزارة أنّ السد جاهز للصمود في وجه زلزال بقوة 6 درجات فقط.

وعلى الصعيد البيئي، تقول الحركة البيئية إنّ عدد الأشجار المصرح عن قطعها في منطقة السد بلغ "15 ألف شجرة، علماً أنّ جهات علميّة أخرى تؤكّد أن الرقم يتخطّى 300 ألف شجرة، نسبةً إلى مساحة مليوني متر مربّع من الأحراج، عدا عن المنظومة الإيكولوجية المتكاملة من نباتات وشجيرات وحيوانات". وتستند الحركة البيئية إلى دراسة شركة "جيوكوم" التي تنص على "عدم إمكانية استبدال نظام طبيعي تكوّن عبر ملايين السنين، كما لا يمكن زرعه في مكان آخر ولا نقله ولا إعادة تكوينه. كما أنّ وجود السدّ المائي في هكذا نظام طبيعي سيؤثر سلباً في كافة عناصر النظام الطبيعي في منطقة السد".

وتبرز الحركة مجموعة أخبار تظهر "اتهام شركة أرتيليا من قبل البنك الدولي بممارسات احتياليّة في الصين ومنطقة غرب أفريقيا".
إلى جانب اتهامات الحركة البيئية للقائمين على المشروع بتضارب المصالح لأنّ "مصلحة مياه بيروت ووزارة الطاقة والمياه تعتمدان حصراً على الدراسات الهندسيّة والبيئيّة للشركات التي تقوم هي نفسها بتنفيذ المشروع"، نشرت "طلعت ريحتكم" فيديو يظهر أنّ "مستشار وزارة الطاقة جان جبران هو أحد واضعي دفتر الشروط وأحد المتعهدين وأحد مراقبي تنفيذ المشروع".

إدارة قاصرة

يصف مستشار موقع "غرين اريا" البيئي، والناشط في منظمة "اندي آكت"، الأكاديمي ناجي قديح، أداء السلطات اللبنانية في ملف المياه بـ"الشيزوفيرينا البيئية". يتهم المسؤولين اللبنانيين بـ"ممارسة ابتزاز بيئي بحق المواطنين من خلال محاولة إيهامهم بأنّ الحل الوحيد هو في السدود". يقول قديح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الإدارات المعنية في لبنان تبني السدود بدلاً من البحث في بدائل تُحددها دراسات جدوى مالية وبيئية واقتصادية تصدرها مؤسسات مستقلة وليست مكاتب استشارية تفصّل الدراسات على مقاس الزبون".

يؤكد قديح أنّ "السدود بطبيعتها تعارض التوازن البيئي في مناطق إقامتها وتزيد من الاحتباس الحراري نتيجة الغازات التي تنتج عن تحلل الحمولة العضوية للمياه في مواقع السدود". ويؤكد أنّ السدود "نقيض للتكيّف مع التغيّر المناخي، بل إنّ غازي ثاني أوكسيد الكاربون والميثان اللذين سيصدرهما تحلل المواد العضوية الموجودة في المياه سيزيدان من الاحتباس الحراري في منطقة السد". ولدى سؤاله عن بدائل السدود، يؤكد قديح أنّ "لبنان الغني بمصادر المياه المتنوعة تكفيه حالياً دراسة هدر المياه طبيعياً وإدارياً وسبل الحد منه قبل البحث عن مصادر جديدة، وذلك بالتزامن مع عقلنة الاستهلاك الحالي من خلال خطط مرحلية جدية، لا خطط عشوائية قد تنجح في تحقيق متطلبات آنية لكنها ستترك آثاراً بيئية لا يمكن عكسها".

دلالات

ذات صلة

الصورة
بات شغوفاً بعمله (العربي الجديد)

مجتمع

أراد ابن جنوب لبنان محمد نعمان نصيف التغلب على الوجع الذي سببته قذائف وشظايا العدو الإسرائيلي على مدى أعوام طويلة فحولها إلى تحف فنية.
الصورة
وقفة تضامن مع جنوب أفريقيا في لبنان 1 (سارة مطر)

مجتمع

على وقع هتافات مناصرة للقضية الفلسطينية ومندّدة بحرب الإبادة التي تشنّها قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة، كانت وقفة أمام قنصلية جنوب أفريقيا في بيروت.
الصورة
تضررت مخيمات النازحين السوريين في لبنان من الأمطار الغزيرة (فيسبوك/الدفاع المدني)

مجتمع

أغرقت الأمطار التي يشهدها لبنان والتي اشتدت أول من أمس (السبت)، العديد من مخيمات اللاجئين السوريين في لبنان، لا سيما تلك الواقعة في المناطق المنخفضة.
الصورة
اغتيال صالح العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية

سياسة

وقع، اليوم الثلاثاء، انفجار في ضاحية بيروت الجنوبية، ليُعلن لاحقًا اغتيال القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري واثنين من قادة كتائب عز الدين القسّام.

المساهمون