خسارة مفجعة

خسارة مفجعة

27 يوليو 2016
دامت لكم... (فيسبوك)
+ الخط -

"واحدة من ركائز سعادتنا"، هذه هي الصداقة. جزمٌ للطبيب المتخصّص في الأمراض النفسيّة والعقليّة، الأميركيّ ألكس ليكرمان. ليس مستغرباً أن يقع فقد للصداقة مشابهاً للانفصال عن الحبيب، للأسى الذي يخلّفه، لكثافة المشاعر التي تجتاحنا وحدّتها.

"الانفصالان، الفقدان، يجرحان في الوقت نفسه نرجسيّتنا، ويخدشان ثقتنا في نفسنا، ويمسّان بمُثُلنا". جزمٌ آخر للمتخصّصة في علم النفس والمعالجة النفسيّة، الفرنسيّة آن - ماري بونوا. "جرح الأصدقاء أشدّ إيلاماً من جرح الحبيب، في بعض الأحيان". وتشرح في مقال نشرته مجلّة "بسيكولوجي" الفرنسيّة المتخصّصة، أسباباً خمسة للتفجّع الذي يجتاحنا بعد فقد صداقة.

خسارة جزء من هوّيتنا، سبب أوّل. الصديق هو تلك المرآة التي نستعيد من خلالها صورتنا. ونحن نحبّ الصورة التي يعيدها إلينا أصدقاؤنا. الفقد يحرمنا من الدعم النرجسيّ.

خسارة جزء من تاريخنا، سبب ثانٍ. الصداقة هي دائماً مبتكرة للحميميّة. تَشارك الخاص والدعم والذكريات، يبنيانها ويُغذّيانها. كلّما استثمرنا في صداقة ما، كلّما شكّلت بعضاً من تاريخنا. قد يكون الصديق أشبه بذلك الصندوق الذي يحوي بعضاً من قطع بازل وجودنا وذاكرتنا. والفقد لا يخلّف إلا شعوراً عظيماً بتلاشي جزء مهمّ من تاريخنا ومن ذاكرتنا.

خسارة المثال، سبب ثالث. الصداقة تُعاش، لا بل ترسمها هواماتنا، كالعلاقة الأكثر ترفّعاً عن الصغائر والأقلّ أنانيّة بين كلّ العلاقات. هي ذلك الحبّ المتحرّر من كلّ تعقيدات الحبّ. هي لا تتغذّى ولا تستمرّ إلّا برغبتنا وحدنا.. من دون إكراه ولا موجبات. ولأنّنا نحمّلها مثاليّات وقيماً كبرى ومُسكّنة، فإنّنا نشعر بخيانة عظمى حينما تتهشّم. وتخلّف الخسارة فقداناً للثقة وحذراً من العلاقات، فنغرق في بؤس لا بل في انهيار وجوديّ/ وجدانيّ يحفر هوّة تزداد اتساعاً، بيننا وبين العالم.

خسارة فرد من العائلة، سبب رابع. كمّ من مرّة ردّدنا "رُبّ أخ لم تلده أمّك!". كلّما اتخذت علاقة الصداقة رسماً علائقياً عائلياً، كلّما استثمرنا فيها أكثر، في وعينا أو في لاوعينا. ويأتي الانفصال أكثر إيلاماً.

خسارة دعامة وجوديّة/ وجدانيّة، سبب خامس. صديقنا إلى جانبنا في السرّاء كما في الضرّاء. دعمه وإنصاته ونصحه من الثوابت التي لا نتخيّل أن تفوتنا في يوم. هو إحدى دعائم وجودنا. ونعيش صداقتنا كنقطة ارتكاز ثابتة، أشبه بمرسى. ويفسَّر ذلك الشعور بالخيانة وبالتخلّي والخذلان الذي يجتاحنا عندما تتهشّم.

بعد أيّام ثلاثة، في الثلاثين من يوليو/ تموز، يوم عالميّ للصداقة. دامت لكم...


دلالات

المساهمون