"بيتديّن ليتزيّن"

"بيتديّن ليتزيّن"

26 يوليو 2016
حقّهم في شاطئ مجاني نظيف (جوزيف عيد/ فرانس برس)
+ الخط -
يتفق العديد من التصنيفات السنوية التابعة لمؤسسات عالمية كالوحدة الاستقصائية في مجلة "إيكونوميست"، ومؤسسة "ميرسر" الاستشارية، وموقع "ناميبو" الإحصائي على أنّ العاصمة اللبنانية بيروت إحدى أغلى مدن الشرق الأوسط والعالم ككلّ. فبعض التصنيفات يضعها من ضمن أغلى 50 مدينة في العالم.

ليست بيروت وحدها على هذه الحال في لبنان، فالبلد الصغير تتشابه مدنه في كثير من الأمور. وإذا ما وضعنا جانباً أسعار العقارات وإيجاراتها، فإنّ أسعار الغذاء والطبابة والمواصلات وبقية الخدمات في المدن اللبنانية الأخرى قريبة جداً من بيروت، وفي بعض الأحيان أكثر كلفة منها.

على الرغم من ذلك، يُعرَف عن اللبنانيين حبّهم للبذخ وعدم الاقتصاد في شيء. ولعلّ أحد الأمثال الشعبية الشهيرة في لبنان يعبر عن هذه الحال: "بيتديّن ليتزيّن"، أي أنّ اللبناني يهتم بالمظاهر ولو عن طريق استدانة المال في هذا السبيل. جزء من هذه الذهنية منشأه ما يعرف بـ"عيش اللحظة"، أو استغلال اللحظة الراهنة طالما استطعت، لأنّ المستقبل يخبئ لك الكثير من المصائب، فأزمات لبنان لا تنتهي منذ تأسيسه.

الدَّين في لبنان أمر مفروغ منه، فهو واقع على معظم الأفراد، إن عن طريق القروض المصرفية المتنوعة بين إسكان، وسيارات، وقروض شخصية، وبطاقات اعتماد، أو عن طريق أنظمة التقسيط في المحلات التجارية، وصولاً إلى السلفة التي يسعى إليها الموظف دائماً من إدارة عمله في القطاع العام أو الخاص، وانتهاء بالديون الصغيرة من الدكاكين والأفراد القريبين جداً كالأصدقاء وأفراد العائلة، مع ما يخلقه كلّ ذلك من مشاكل.

الدولة - أو هيكلها القائم - لا تقصّر أبداً في زيادة الهموم على المواطن اللبناني. فعدا عن حقوقه المستهدفة بكبيرها وصغيرها، لا تبقي حتى فرصة الهروب للمواطن. والهروب في أبسط معانيه هو في اتجاه مساحة عامة ما، تضيق شيئاً فشيئاً عليه، وتُلوَّث فيجد نفسه مضطراً فجأة إلى دفع المال من أجل قليل من الراحة فقط.

المثال الأبرز الهروب في اتجاه البحر، خصوصاً في هذا القيظ. لنفترض أنّ المواطن يرغب في تفادي احتمال التقاط جرثومة أو مرض جلدي على شاطئ مجاني ملوث، قد تكون فاتورتهما الصحية أكبر بكثير مما يحتمل. إذا احتسبنا ببساطة كلفة ارتياد عائلة من أربعة أفراد، كبيرين وصغيرين، مسبحاً خاصاً، يتضح أنّ المبلغ المقترح لرسوم الدخول فقط في عطلة نهاية الأسبوع هو 100 دولار أميركي. اضربها بأربعة أسابيع: 400 دولار أميركي شهرياً لأربع رحلات فقط، ولم يأكلوا أو يشربوا بعد. أما الحدّ الأدنى للأجور فعلى حاله، 450 دولاراً لا أكثر. إذاً، لا بدّ من أن "يتديّنوا ليتزيّنوا".

المساهمون