ليالي رمضان للعمل الشاق في غزّة

ليالي رمضان للعمل الشاق في غزّة

03 يوليو 2016
إلى العمل وقد غابت الشمس (محمد الحجار)
+ الخط -
يظنّ البعض أنّ ساعات العمل والنشاط الذي يُبذل في هذا الإطار، تتراجع خلال شهر رمضان الفضيل. قد يكون ذلك صحيحاً في بعض البلدان، أو في قطاعات معيّنة في بلدان مختلفة. أمّا في غزّة، فإنّ الأمر مختلف، ويُلحَظ نشاط متزايد لا سيّما بالنسبة إلى عمّال البناء وغيرهم، من الذين يشتغلون في المقاهي ومصالح أخرى. هؤلاء يعملون حتى ساعات الفجر الأولى، إذ في ذلك رزقهم.

بعد الإفطار، يتجمّع عمّال البناء أكثر من سواهم أمام أماكن عملهم، ليتحوّل الليل الهادئ عادة إلى حركة نشطة، بعيداً عن حرارة الشمس الحارقة ومشقّة الصيام. إلى ذلك، يتوجّه كثيرون إلى "أعمالهم الشاقة" بعد أدائهم صلاة التراويح، مستغلّين "برودة الطقس". تجدر الإشارة إلى أنّ خلال رمضان هذا العام الذي شارف على نهايته، راحت موجات الحرّ تشتدّ وترتفع درجاتها لتتخطّى 35 درجة مئوية في غزّة، وذلك وسط تفاقم الأزمات لا سيّما انقطاع التيار الكهربائي.

تجدر الإشارة إلى أنّ اتحاد المقاولين الفلسطينيين في قطاع غزّة، قدّر عدد العاملين في شهر رمضان خلال الفترة المسائية بنحو ثلاثة آلاف و500 عامل في قطاع البناء فقط، وذلك في كلّ المحافظات.

في ليالي رمضان، يساعد ضوء الكشافات العمّال في إنجاز أشغالهم وسط الظلام، فيما يساهم القمر أيضاً في عمليّة الإضاءة، خصوصاً مع انقطاع الكهرباء عن المنطقة. مصطفى الحسني (33 عاماً) واحد من هؤلاء العمّال الذين يقضون ليالي الشهر الكريم في العمل. يقول لـ "العربي الجديد": "خلال العامَين الماضيَين، راحت أعمال البناء تنشط في غزّة بعد الإفطار، لإنجاز المنشآت. وقد أصبح ذلك أمراً عادياً بالنسبة إلينا". لكنّه يأسف إذ إنّ "العمل يحرمنا من الأجواء الرمضانية". ويشير الحسني إلى أنّ "الفقهاء اختلفوا قبل أعوام حول جواز إفطار بعض العمّال غير القادرين على تحمّل الحرارة، لذلك قرّر عدد من المقاولين العمل خلال الليل. يُذكر أنّ البعض اعترض على الأمر، إذ إنّ الناس تبدي انزعاجها من أصوات الآلات والعمل ليلاً. لكن لا خيارات أمامهم إلا العمل في الليل". ويقول الحسني إنّ "المائدة الأساسية لدى عمّال البناء هي مائدة السحور، نظراً لعدم قدرتهم على ملء بطونهم قبل العمل، تجنباً لأيّ خمول أو اضطراب في المعدة". يضيف: "نحن عكس الناس في رمضان. السحور هو إفطارنا. بعد أذان المغرب، نشرب الماء ونتناول التمر لنعمل على معدة خفيفة. وعندما نعود قبل أذان الفجر، نتناول وجبة دسمة وننام".


لكنّ بعض عمّال البناء يجدون صعوبة في إنجاز أشغالهم في المساء، ويقول منير الشواف (40 عاماً) لـ "العربي الجديد": "في بعض الأوقات تكون الإضاءة جيّدة بعكس أوقات كثيرة أخرى. وهذا أمر يخيفنا عند العمل على الأسطح، خشية الانزلاق أو وقوع غيره من الحوادث". يضيف أنّ "العمل خلال الليل يتطلّب منّا تركيزاً أكبر وجهداً مضاعفاً". ويلفت إلى أنّ بعض الغزيّين يفضّلون العمل في مجالات غير مهنهم، مؤقتاً. لكنّه وزملاءه مضطرون إلى العمل في البناء لعدم وجود بديل.

إلى ذلك، أصيب مازن صيام (50 عاماً) في الثالث من شهر رمضان الجاري، خلال عمله في إحدى المنشآت الجديدة في حيّ النصر في غزّة في الليل. وعلى الرغم من تضرّر قدمه، إلا أنّه استعاد نشاطه في البناء بعد يومَين فقط، بخلاف إرشادات طبيب العظام الذي نصحه بالراحة لمدّة لا تقلّ عن أسبوع. لكن لقمة العيش تقتضي غير ذلك.

ليس عمّالُ البناء الوحيدين الذين يشقون في ليالي رمضان. آلاف الشباب يعملون في المحلات التجارية المختلفة التي تفتح أبوابها حتى ساعات الفجر الأولى، وفي المقاهي التي تنشط في هذا الشهر بعد الإفطار. يُذكر أنّ إقبال الغزيّين كبير على المقاهي في رمضان، إذ إنّها متنفسهم في القطاع المحاصر.

أحمد أبو وطفة (22 عاماً) يعمل يومياً في مقهى على شاطئ بحر غزّة، من الساعة الثامنة مساءً حتى الساعة الرابعة فجراً. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ "العمل في الليل أصبح هدفاً للشباب الباحثين عن فرصة، وسط البطالة". تجدر الإشارة إلى أنّ فرص العمل المسائية في المقاهي والنوادي، وغيرها، تتوفّر في غزّة في رمضان بشكل كبير. ويعمل الشباب في تلك المجالات خلال شهر رمضان وغيره من الأشهر، نحو ثماني ساعات يومياً. لكن في رمضان، يزداد العبء إذ يكثر مرتادو تلك الأماكن. ويشير مؤمن الطويل (24 عاماً) إلى أنّ "عدداً كبيراً من الشبان يحاول التمسك بأيّة فرصة عمل رمضانية، على الرغم من أنّها مؤقتة ومتعبة، قبل أن يعاود مع انتهاء الشهر الفضيل مسلسل البحث عن عمل".

دلالات