أطفال الفلوجة.. يسعفون الجرحى ويحفرون القبور

أطفال الفلوجة.. يسعفون الجرحى ويحفرون القبور

09 يونيو 2016
طفلان نازحان من الفلوجة (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -
تؤكّد كلمات الأطفال النازحين من مدينة الفلوجة (62 كيلومتراً غرب بغداد)، أنّهم ظلموا كثيراً، وكأنهم اجتازوا مرحلة الطفولة بسرعة قصوى، وباتوا رجالاً يواجهون الموت ويتحمّلون المسؤوليات. يقولون إنهم واجهوا صعوبات كثيرة، وقد تحوّل الأمر إلى عادة. وأتقنوا، نتيجة للأوضاع المأساوية التي يمرون بها، أعمالاً كثيرة، وباتوا أكثر قدرة على التصرف واتخاذ القرارات في المواقف الصعبة.

أكثر ما يؤلمهم أنهم في شهر رمضان، سيفتقدون الكثير من الأصدقاء والأقارب. توفي بعضهم بسبب نقص الغذاء والدواء والقصف الجوي الذي تشنه الطائرات الحربية العراقية وقوات التحالف، عدا عن القصف المدفعي والصاروخي لقوات الجيش العراقي والمليشيات المرافقة لها. عادة ما يتجمّع الأطفال مع ذويهم في مخيّمات خصّصت لهم عند أطراف مدينة الأنبار (غرب العراق)، بعد هروبهم جراء المعارك المحتدمة بين القوات العراقية والمليشيات المتحالفة معها من جهة، وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذي يسيطر على مدينتهم من جهة أخرى.

حشائش

يحكي الأطفال لـ"العربي الجديد"، عن تحمّلهم أعباء عائلاتهم ومسؤوليات كبيرة، والتي عادة ما يتحمّلها الرجال. في هذا السياق، يقول عمر محمود (11 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، إنه كان لزاماً عليه أن يجلب الطعام لوالدته وإخوته الصغار بعد وفاة والده متأثراً بجراحه نتيجة إصابته بقصف صاروخي على المدينة منذ نحو عام. وبسبب خلو المدينة من المواد الغذائية جراء الحصار المفروض عليها، اضطر الأهالي إلى تناول الأعشاب. كان يرافق أقاربه الأكبر منه سناً، وبعض الرجال، لجمع ما تيسّر من الأعشاب. يضيف: "لم أكن أخشى الأفاعي السامة التي تنتشر في الأدغال حين أذهب للبحث عن الحشائش والنباتات التي يمكن طهيها". يتابع: "كنت أضرب الأرض بالعصا كي تهرب الأفاعي من الأدغال، وأتمكن من البحث عن الفطر ونبات الخباز. هذا في فصل الشتاء. أما في الصيف، فأصطاد الطيور".
يشير محمود إلى أنه في بعض الأحيان، يبقى أكثر من عشر ساعات خارج البيت في الحدائق والمساحات الفارغة ويصنع أفخاخاً للطيور. أحياناً، يرجع إلى البيت بصيد وفير. وفي أحيانٍ كثيرة، يعود خائباً.

المدينة التي يقطنها نحو مائة ألف مواطن يسيطر عليها "داعش" منذ نحو عامين. وقبل أكثر من ستة أشهر، فرضت القوات العسكرية العراقية والمليشيات حصاراً خانقاً عليها، ومنعت دخول المواد الغذائية والأدوية إليها. وبسبب الحصار، مات عدد من السكان، غالبيتهم من الأطفال وكبار السن والمرضى، في ظل عدم توفر الأدوية والعلاجات المناسبة.

أعمال خير

أطفال الفلوجة باتوا أيضاً قادرين على القيام بالإسعافات الأولية وإطفاء الحرائق وإنقاذ العالقين تحت الأنقاض. أمر يؤكده محمد ثامر (12 عاماً)، الذي تساعده مرونة جسده في الوصول إلى أماكن ضيّقة بهدف إنقاذ الأشخاص أو إطفاء الحرائق. يقول لـ"العربي الجديد"، إنه كان يتوجّه دائماً إلى الأماكن التي تقصف. وحين يرى مباني وقد هدّمت على من فيها بسبب القصف، يحاول الدخول عبر فتحات صغيرة "كوني ضعيف البنية وأملك لياقة بدنية عالية". يضيف: "أنقذت العديد من الأشخاص الذين كانوا على وشك الموت. وتعلمت تفاصيل عدة حول الإسعافات الأولية من خلال مرافقتي لعدد من المصابين في المستشفيات، واستماعي لإرشادات الأطباء والمعالجين".



ليس مبالغاً القول إن أهالي الفوجة وأطفالها اعتادوا القصف الذي تعيشه المدينة منذ نحو عامين، أكان من خلال الطائرات التابعة لقوات الجيش العراقي أو التحالف الدولي، بالإضافة إلى قصف القوات العراقية والمليشيات المرابطة على حدود المدينة. يقول عبد الرحمن عيسى (10 أعوام)، لـ"العربي الجديد"، إنه كان يساعد في تجهيز القبور والملاجئ، واصفاً الأمر بـ"الواجب الإنساني". يضيف: "صرت أعرف كيف أحفر القبور والملاجئ، وأساعد الناس في ذلك، سواء أكنت أعرفهم أم لا. هذا واجب. يجب عليّ مساعدة الآخرين". يتابع: "هذه أعمال خير، وأسعى إلى عمل الخير مع الجميع. لا أفعل ذلك وحدي بل يشاركني جميع أصدقائي".
يساهم مع أصدقائه في رفع أنقاض البيوت والمحال التي تضرّرت بفعل القصف، ويهرعون إلى المواقع التي تعرّضت للقصف بعد دقائق للمساعدة. يقول عيسى: "هذا شأننا في الفلوجة. الجميع مستعدّ لمساعدة الآخرين. هذا ما يفعله آباؤنا ويطلبون منا أن نحذو حذوهم".
منذ بدء معركة الفلوجة، لا ينام الصغار إلا قليلاً. صوت الصواريخ يدوي في المدينة. ومن ينجو من الموت أو الإصابة، يسعى لإنقاذ آخرين قصفت منازلهم. يقول فهد عبد الله (11 عاماً)، لـ"العربي الجديد"، إنه يعرف كيف يتصرّف خلال القصف. يتّجه إلى أماكن أكثر أماناً، موضحاً أن "الجميع بات أكثر استعداداً. تنتشر الملاجئ في البيوت والأماكن العامة وإن كانت ليست آمنة تماماً". يلفت إلى أن "الملاجئ بدائية، لكنّها تقلّل من بعض الأضرار بنسبة جيّدة".

لا ينكر عبدالله مشاعر الخوف التي تنتابه خلال القصف. يقول: "هذا أمر طبيعي. لكنني وجميع أصدقائي وجيراني لا نصرخ. الصغار فقط، من هم دون السادسة، يصرخون ويبكون من الخوف". يشير إلى أن المعركة التي انطلقت أخيراً كانت مدمّرة "وكانت الصواريخ تسقط علينا كالمطر".
يتألّم بعض الأطفال لأنّهم فقدوا عدداً من أصدقائهم الذين لن يشاركوهم الصوم خلال شهر رمضان الحالي. توفي بعضهم جرّاء إصابتهم بأمراض تفشت في المدينة، بسبب نقص الأدوية والعلاجات نتيجة حصار الفلوجة من قبل القوات العراقية والمليشيات، التي منعت دخول أي مساعدات غذائية وأدوية إلى المدينة، أو جراء القصف.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، قد أعلن عن انطلاق العمليات العسكرية لـ"تحرير مدينة الفلوجة" من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) قبل نحو أسبوعين.