رمضاننا الصغير المشاغب

رمضاننا الصغير المشاغب

07 يونيو 2016
من يقع أرضاً هو "الطفل المدلل" (فرانس برس)
+ الخط -
"الصلاة لنفسك، والصيام لله". حتى غير المصلين يصومون غالباً. حتى المصلّون الصائمون عندما يكونون أطفالاً يصومون قبل صلاتهم.

ذلك الكائن السماوي المسمّى رمضان كان يملأ أيامنا. هو والله على صلة أكبر من أيّ عبادة أخرى. هو صلة الوصل بينه وبيننا أيضاً أكثر من أيّ صلاة، كما يدّعي كثيرون منّا. وصيام رمضان هو لله وحده كما يقول الحديث. فإذا تساهل الواحد منّا في كلّ شيء يخصّه هو بالذات، فإنّه لا يتهاون بما لله. يبدو أنّنا نوفي الله حقه الكامل في الصيام، وننتظر منه "المغفرة والرحمة" في شؤون أخرى، مهما كفّر المصلّون غير المصلّين أحياناً واستهزأوا بصيامهم بالذات: "علامَ تصومون وأنتم لا تصلّون!؟".

رمضان الذي كنّا ننتظره بشغف عندما كنّا أطفالاً، حتى في أيام الصيف، كان لا يعنينا كثيراً من ناحية دينية، وإن حاول بعضنا أن يُلبس لسانه مظهر الوقار وينطق بما سمعه من أهله أو من أحد الشيوخ عن ذلك الشهر الفضيل الذي يُمنع كلّ شيء فيه. و"الشيء" بالنسبة إلينا هو ارتكاب محرّمات.. محرّماتنا الصغيرة التي لا تنتهي والتي نتبارى في سؤال بعضنا عنها، فإذا عجزنا عن تقديم الإجابة، وطال بيننا الجدل، سألنا أحداً أكبر، كائناً من كان، فهو أكثر خبرة منّا في رمضان، ذلك الشيخ الجليل بملابسه البيضاء النظيفة. فإذا "أخفى عنا" ما يملك من حقائق، كما نحسب، عدنا إلى جدلنا.

كنّا نترقبه مهما غافلنا، ونحن متعبون من مدارسنا وكتبها وأوامر مدرّسينا وقصاصاتهم، وغضب أهالينا الدائم منّا ومن "سوء تربيتنا" وعدم درسنا طول الوقت مثل "ابن فلان" الذي "لا يشيل (يرفع) رأسه من الكتاب" منذ وصوله إلى البيت حتى موعد نومه، ويتحصّل كلّ مرة على المرتبة الأولى في الصف. وسط هذه الأجواء كنّا نترقبه، فإذا كانت إجازة صيفية لم نهتم كثيراً بأيامه الطويلة الملأى بحريق يمنع عن بعضنا اللعب واللهو. ومع ذلك، يصوم ليثبت قدرته و"رجولته".

ملاعبنا الرملية الصائمة أبداً تشعر بذلك الانتعاش عندما تُسكَب فيها كميات من المياه قبل إفطارنا بقليل إيذاناً ببدء مبارياتنا "المهمة". لا تُسكَب المياه إذا كنّا نتدرب في فريق، ولا يرأف بنا المدرب كثيراً، خصوصاً أنّه كأهلنا يرانا مقصّرين في التمارين وفي المباريات اللاحقة، كما يروننا مقصرين في الدرس. وإذا كنا نتبارى وحدنا، لا يعد الواحد منا نفسه بشربة ماء من ذلك الخزان الكبير القريب. كلّ ما يمكنه أن يفعله الصمود أكثر بالرغم من كميات العرق التي ينزفها، وبالرغم من عطشه الصحراوي. فمن يصمد هو "الرجل" ومن يقع أرضاً مغمى عليه هو "الطفل المدلل" الذي لا مكان له في ملاعب رمضان "شهر الرحمة".