طفلة فلسطينية تعوّض غياب والدتها الأسيرة

طفلة فلسطينية تعوّض غياب والدتها الأسيرة

28 يونيو 2016
تبدو أميرة مُنهكة من مهامها الجديدة (عبد الحكيم أبورياش)
+ الخط -

مع تمام التاسعة صباحًا، تنهض الطفلة أميرة أبو كميل (12 عاماً) لتمارس دورها في الترتيب والتنظيف والغسيل، حتى ساعات المغرب وإعداد الفطور، لكسر صيام أخوتها الستة وأبيهم، تعويضاً عن غياب أُمها التي اعتقلتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في شهر أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، أثناء مرورها عبر حاجز بيت حانون/ إيرز الذي يفصل قطاع غزة عن الأراضي المحتلة عام 1948.

وعلى غير المعتاد من أطفال سنها، تخلّت أميرة عن إجازتها المدرسية وألعابها ورحلاتها، لتتقمص دور الأُم مع أخيها الرضيع أحمد، إذ لم تساعده عمليات الرضاعة الصناعية عن التوقف عن البُكاء، مفتقدًا حليب أمه "نسرين" التي سلبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي منه.
وبعد انقضاء نحو 9 شهور على اعتقال أمها، تنهمك الطفلة أميرة في تربية أخوتها الستة والاهتمام بشؤونهم الدراسية والتربوية، إذ تعمل على تعويض دور والدتهم، فيما يستمر أبوها "حازم" في العمل على بيع الحاجيات على "بسطته" الصغيرة لجلب لقمة عيشٍ غلبتها المرارة على غياب زوجته.
وتوضح أميرة لـ"العربي الجديد" أنها كانت تهتم بتعليم أخواتها، قبل حلول الإجازة الصيفية، إلى أن تفرغت إلى الاهتمام بشكل أكبر بأخيها الرضيع، مضيفةً أنها تعمل في شهر رمضان على تنفيذ المهام البيتية، وإعداد السحور ومحاولة تحضير الفطور لأخوتها وأبيهم.
وتبدو أميرة مُنهكة لما تقوم به من أدوار لا تناسب عمرها وجسدها، من خلال ما تنفذه من أعمال بيتية تكاد لا تقوى الأم العادية على فعلها، من الوقوف لساعات طويلة على قدميها، والقيام بأعمال البيت، وحتى الانشغال بكيفية إطعام أخيها الرضيع وأخوته الخمسة.
وتروي الطفلة كيف كان يبكي أحمد الرضيع، رافضًا الرضاعة الصناعية، وكيف كانت تعاني لإقناعه بشرب الحليب الصناعي، ناهيك عن بكائه المُستمر بسبب الجوع، معربةً عن حزنها على كِبر أخيها بعيدًا عن حُضن أمه.
وتقول الطفلة لـ"العربي الجديد" بلهجة غلبها التعب: "منذ اليوم الذي اعتقلت فيه أمي، وأنا أفكر كيف لي أن أعوض غيابها، لقد تعبت كثيرًا، أخواتي الستة أصغر مني سنًا، ولا أستطيع الاهتمام بشؤونهم جميعًا أو الاهتمام بشؤون البيت".
وتشير أميرة إلى أنها كانت مرتاحةً في وجود أُمها، إذ لم تكن تساعدها إلا في أمور تناسب سنها وجسدها، لكنها أصبحت اليوم مُجبرة على القيام بكل ما كانت لا تُريد فِعله في حضور أُمها، موضحةً أنها أصبحت تشعر بالدُوار في بعض الأوقات بسبب الصيام والتعب.
وتشعر أميرة بالحُزن والقهر لقضاء شهر رمضان بعيدًا عن أُمها، التي غيّبها الاحتلال قسرًا عنهم، "إذ غابت نسرين وغاب معها الفرح والحُب الذي ملأ البيت". وتضيف أن رمضان بلا أُمها ليس كما يتمناه كل طفلٍ لقضائه بحضن أمه ورائحة طعامها.
وتوضح الطفلة أنها لا تعرف القيام بتحضير الطعام وأصنافه المختلفة طوال أيام شهر رمضان، إذ تكتفي بتحضير بعض من الوجبات الخفيفة والسريعة أو يكتفي الوالد بطلب بعض الطعام الجاهز رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها العائلة.
وتتابع أميرة، أن أخوتها الستة الصائمين يطلبون العديد من الأصناف والأكلات للإفطار لكنها لا تعرف الطبخ ولم يُسعفها عُمرها الصغير على تعلّمه من أمها، مضيفةً أنها تتذكر أُمها وتشتاق لـ"أكلاتها الطيبة".
ولا ترغب الطفلة في قضاء إجازتها كباقي الأطفال من سنها، في اللعب والمَرح، أكثر من تمنيها البقاء منهمكة في أعمال البيت، لكن بوجود أمها بجانبها، وتقول أميرة: "أتمنى أن تعود لنا أُمنا قبل انتهاء رمضان، نريدها معنا وبجانبنا إلى الأبد، وندعو الله أن يُفرج عنها".
ويعمل الأب حازم أبو كميل بائعاً لبعض الحاجيات على "بسطة" صغيرة، ويوضح أنهم يعانون من ظروف اقتصادية صعبة، لكنها زادت صعوبة في غياب زوجته عن البيت، ويقول: "زوجتي كانت تساعدني وتشجعني في ظروفنا الصعبة، والظروف الصعبة أجمل بوجود زوجتي".
ويشعر الزوج بمرارة فُقدان زوجته وغيابها لفترة طويلة عنه وعن أطفاله، ويضيف أنه يشعر بألم يعتصر قلبه على اعتقال زوجته وابتعادها عنه وعن اطفالها، ويخشى عليهم من تركهم لوحدهم أثناء ذهابه للعمل، خاصةً أنهم ما زالوا أطفالًا صغارًا.
ويقول لـ"العربي الجديد": "حياتنا قُلبت رأسًا على عقب، أُحاول الاهتمام بتوفير مصدر الرزق لأطفالي والاهتمام بشؤونهم الخاصة، ومساعدة ابنتي أميرة على إعالة أخوتها"، مشيرًا إلى صعوبة القيام بكل ما كانت تقوم به زوجته في الاهتمام بشؤون البيت والأطفال.
ويتمنى أبو كميل أن تعود زوجته لتملأ الفراغ الكبير الذي خلفه اعتقال قوات الاحتلال الإسرائيلي فور اعتقالها، موضحًا أن هناك جلسات محاكمة تُعقد بين كل فترة لـ"نسرين" دون الوصول إلى حُكم وأسباب رئيسية لاعتقالها، كما أبلغه المحامي الذي أمرته "إسرائيل" بالتواصل معه.

المساهمون