محاربة "تدعيش" الجزائريين بالكتب

محاربة "تدعيش" الجزائريين بالكتب

06 مارس 2016
"لا للإرهاب" في تظاهرة مناهضة لداعش (فرانس برس)
+ الخط -

يأتي قرار وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية، بنشر ثمانين كتاباً لمحاربة فكر "داعش" في المجتمع، تماشياً مع وعي الحكومة بعدم قدرة الإجراءات الأمنية وحدها على التصدي للدواعش، بعدما باتوا في الجارة ليبيا.

لطالما أبدت فعاليات المجتمع المدني في الجزائر عدم رضاها عن طريقة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في تسيير القطاع، عبر تركيزها على جوانبه الإدارية وإهمال الجوانب الفكرية المتوجهة إلى صناعة وعي ديني واجتماعي جديد، ينطلق من ملامح الهوية الوطنية ويذهب إلى إدانة عامة للفكر المتطرف الذي بات ينخر أوصال المجتمعات الإسلامية. في هذا الإطار أعلنت الوزارة عزمها نشر ثمانين كتاباً بهدف محاربة الفكر "الداعشي" في المجتمع الجزائري.

تأتي الجزائر في ذيل قائمة الدول العربية التي التحق منها شباب جهاديون بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، بعكس الجارة تونس التي تأتي في الصدارة. لكن ثمة دراسات وبحوثاً تقول إنها ليست في منأى عن تغلغل هذا الفكر فيها. من هنا، صرّح مدير الثقافة الإسلامية في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، بوزيد بومدين، للصحافة الجزائرية، بأن هذه الخطوة بنيت على وعي من الوزارة بضرورة القيام بجملة من المراجعات منها إعطاء نفس جديد للفكر الإسلامي المعتدل الذي عُرف به علماء المغرب الأوسط وفقهاؤه عبر التاريخ، من خلال تقوية المذهب المالكي والنزعة الصوفية.

والكتب المشار إليها، تشمل بحسب بومدين الفقه والعقيدة والتفسير والفنون الإسلامية، مثل كتب الشيخ تواتي بن التواتي والسعيد كعباش، إلى جانب كتب في المعمار الإسلامي الجزائري وأخرى تتوجه إلى الأطفال بأقلام جزائرية. أما الهدف منها فهو استرداد المسجد الجزائري لملامحه الخاصة.

في هذا الإطار، يقول الإمام نصر الدين معلاوي من محافظة البليدة، إن الأئمة تلقوا تعليمات من الوزارة الوصية بضرورة أن تكون فتاويهم مستقاة من المرجعية الفقهية للبلاد، وعدم اعتماد أي مرجعية غيرها تجنباً للفوضى التي قد تحصل نتيجة اختلاف السياقات بين الدول العربية والإسلامية. يضيف لـ "العربي الجديد": "حافظنا على خصوصيتنا الفقهية 14 قرناً، فلم يحدث أن أُصِبنا بفتنة دينية أو ابتلينا بتفكك اجتماعي. وعندما سمحنا لخصوصيات فقهية غريبة عنا بالدخول، أوشكت على تفكيكنا في عقدين من الزمن".

اقرأ أيضاً: فوضى الإفتاء في الجزائر

ويوضح معلاوي أن الإمام الجزائري سيجد في هذه التشكيلة من الكتب التي تصدرها الوزارة المكلفة بشؤون التعبد، قاعدة للوعي ببعده الوطني وطرق الانطلاق منها في مخاطبة الجزائريين الذين جربوا قبل غيرهم ويلات العنف الناتج عن التأويل السيئ للدين. ويتابع أن "مكتبات مساجدنا وجامعاتنا وجمعياتنا ونوادينا المختلفة، تخلو من كتب مماثلة تعزز الوعي بمرجعيتنا الفقهية التي تعاملت تاريخياً مع الإرهاب على أنه تفكير وسلوك منبوذان".

في المقابل، يقول الباحث حميد زناز لـ"العربي الجديد" إن مثل هذه الخطوات تبقى بلا جدوى، ما دامت الحكومة لم تباشر عملية تفكيك لمنظومتها القانونية المعتمدة أساساً على التمييز والتحرش الديني بطريقة مضمرة وصريحة. ويسأل: "ما جدوى أن تحارب الإرهاب ولا تحارب الأفكار المؤدية إليه في قوانينك ومنظومتك التربوية؟ كيف يستتب الأمن الاجتماعي ولا تكاد تمر صلاة جمعة واحدة من غير أن يسمع المصلون خطباً تدين غير المؤمنين في العالم والمخالفين في الدين؟ إن الحل يكمن في فصل الدين عن الدولة".

رضا ش. من الشباب الذين أثناهم الأئمة الجزائريون عن الالتحاق بتركيا، ومنها إلى سورية، للقتال في صفوف داعش. يقول لـ"العربي الجديد" إن مغامرته بدأت حين زار أقاربه في مدينة بودواو شرق الجزائر العاصمة، حيث تعرّف إلى طالب جامعي مجند من طرف سوريين عبر موقع "فيسبوك". ويقرّ أنه وجد نفسه متحمساً للأمر أمام إغراء ما سماه "إعادة بعث الخلافة الإسلامية"، وكذلك إغراء توفر عنصر المال. يضيف: "لم يكن المال الذي يُمكّنني من الوصول إلى الرقة عائقاً، إذ ثمّة من يوفره لي، من دون أن أعرف من أين. ثلاثة من الشبان الذين تعرفت عليهم في المدينة، تمّ التكفل بهم".

ويكشف رضا أنه طرح على قريبه وعلى من كان يدردش معه عبر فيسبوك أسئلة تتعلق بالمبررات الشرعية للجهاد في العراق وسورية، لكن سطحية الإجابات جعلته يتردد ويقصد صديقاً له يشرف على خطبة الجمعة في مدينة خنشلة في الشرق الجزائري ليستفتيه في الأمر. يخبر: "واجه سؤالي بأسئلة فتحت عقلي على وعي جديد: كيف تفسر أن التنظيم غير موجود إلا في البلاد التي يُرفع فيها الأذان؟ ما معنى أن تكون له فروع في أكثر الدول الإسلامية، ولا أثر له في إسرائيل، حيث الجهاد لا يحتاج إلى فتوى؟". ويتابع: "في تلك الأثناء ألقى الأمن القبض علي، بعد أن وشى بي قريبي عند القبض عليه. وقد أخلي سبيلي بعد تدخل صديقي الإمام، الذي نبّهني إلى فخاخ هذا الفكر".

اقرأ أيضاً: ضريح سيدي عبد الرحمن