عنصرية وإسلاموفوبيا وزيرة المرأة الفرنسية.. لا جديد

عنصرية وإسلاموفوبيا وزيرة المرأة الفرنسية.. لا جديد

30 مارس 2016
مسلمات في فرنسا (GETTY)
+ الخط -
ليس جديداً في المشهد السياسي الفرنسي ما قالته لورونس روسينيول، الوزيرة المنتدبة لشؤون حقوق المرأة، صباح اليوم، في برنامج جان - جاك بوردان بإذاعة "راديو مونت كارلو"، عن النساء المسلمات اللواتي اخترن ارتداء الحجاب، ووصفتهن بأنهن "زنجيات أميركيات".

قبل سنوات أظهر عمدة مدينة إيفري، بالضاحية الباريسية، ورئيس الحكومة الحالي، مانويل فالس، امتعاضه الشديد من الحضور الكبير للعرب والسود في مدينته، وطالب باستجلاب البيض، وقالها بالإسبانية والإنجليزية: نريد "بلانكو"، "وَايْت".

وعانت كريستين توبيرا، أول وزيرة عدل فرنسية من أصول سوداء، من هذه العنصرية المتحدّرة من الزمن الكولونيالي، ووُصفَتْ في تظاهرات وفي مجلات يمينية متطرفة بالقردة. وحينها، لم يَنْبَرِ أحدٌ من السياسيين، حتى من حكومتها، ولا حتى رئيسها فرانسوا هولاند، للدفاع عنها، إلى أن تصدت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية للأمر.

ولم ينفعل صاحب البرنامج الشهير، جان جاك بوردان، الذي يُصرّ عادة على إحراج مُحاوريه حين يتعلق الأمر بضيوف مسلمين، وترك الوزيرة تقول ما تضمره في أعماقها، إذ ذهبت الوزيرة بعيداً في تصريحها، حين أكّدت أن النساء اللواتي يرتدين الحجاب يؤيدن استعبادَهُنَّ.

وليست الفكرة جديدة أيضاً، فهذه الوزيرة وغيرها، وكثير من النُّخَب الفرنسية "الوصيّة" على الفكر والرأي، لا يمكنهم، أو لا يريدون، استيعاب فكرة أن النساء مستقلات ولا يَخضعن لوصايا وإرادة أزواجهن أو آبائهن أو إخوانهنّ.


ورغم إقرارها بوجود نساء يخترن ارتداء هذا النوع من اللباس، إلا أنها قالت: "بطبيعة الحال، توجد نساء يخترن الحجاب. كن في الماضي زُنوجٌ يقبلون العبودية".
هذه الوصاية نفسها دفعت الوزيرة السابقة لحقوق المرأة، باسكال بواستارد، إلى أن تصرّح يوم 2 مارس/ آذار 2015، أنها "ضد ارتداء الحجاب في الجامعات".

وبقدر ما تعتبر التصريحات صادمة، بقدر ما تتجاهل أن فرنسا كانت من بين الدول التي مارست تجارة الرقيق، إلى جانب الولايات المتحدة، حتى بعد الثورة الفرنسية، وبموافقة من النُّخَب الفكرية والسياسية.
ولعلّ ما يزيد من وقع هذه التصريحات العنصرية، أنها تترافق مع حَملة إعلانية حكومية، تحت عنوان "متحدون ضد الكراهية"، تستحق التشجيع والتنويه، تدين مختلف أنواع العنصرية والتمييز، بما فيها التي تستهدف اليهود والمسلمين. إضافة إلى أنّ كثيرا من استطلاعات الرأي تكشف أن الفرنسيين أصبحوا أكثرَ تسامُحا مع السود، قياسا مع العرب.

وفي الحقيقة، فإن أخطر ما في تصريح الوزيرة الفرنسية لحقوق المرأة، هو تأكيدها أن السود أيدوا الاسترقاق، وهذه مغالطة تاريخية كبيرة، لأن السود قاوموا كل محالاوت الاستعباد. وهي فكرة لا تساويها فظاعة إلاّ تصريحات الرئيس الفرنسي السابق، نيكولا ساركوزي، في خطاب دكّار الشهير من أن "السود الأفارقة لم يَدخُلوا التاريخ بعد".

ويقول الباحث جمال الحمري، لـ"العربي الجديد": "ليس من المبالغة في شيء أن هذه الوزيرة لو كانت في بلد أوروبي آخر، لأرغمت على الاستقالة، لأن في الأمر عنصرية ظاهرة ضد المسلمين وضد السود، كما أن على الصحافي بوردان، أن يعتذر على دوره السلبيّ، أثناء اللقاء".



وتلقفت شبكات التواصل الاجتماعي الأمر، وانتشرت انتقادات عنيفة للوزيرة وضد الحكومة المتعاطفة معها. ونشرت رسالة موجهة إلى رئيس الحكومة، مانويل فالس، تطالب بـ"معاقبة لورونس روسينيول على تصريحاتها العنصرية، التي تستهدف النساء المسلمات وملايين من ضحايا الاسترقاق"، وتؤكد على أنها تصريحات "مهينة لملايين الأفراد ولعائلات وبلدان دمّرها الاسترقاق ونتائجه، وهي تصريحات صادرة من وزيرة في بلدٍ يرفُضُ فتحَ ملف التعويضات عن تجارة العبيد".

كما أنه انتشرت في "تويتر" ردود فعل مدينة لهذه الـ"عنصرية" التي تفوهت بها إحدى مؤسسات جمعية "إس أو إس. عنصرية"، وهي جمعية مستقلة تدّعي أدبياتها أنها تكافح كل أشكال العنصرية.

واستنجد مواطنون في تغريداتهم بمثال المواطنة لطيفة بن زياتن، والدة الجندي الفرنسي الذي قتله الإرهابي "مرّاح"، والتي منحها وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، وساما تقديرا لعملها في "مكافحة التطرف لدى الشباب".

وكتبت الناشطة والباحثة حنان كريمي، مؤسسة "جمعية نسوانيات في المساجد": "حين تعيد وزيرة كتابة التاريخ، بطريقة كريهة، وتستخدمها ضد النساء، فإن مهمتها تموت". كما كتبت المناضلة المدنية سهام أصباغ: "نحن بصدد بيان توقيعات هاشتاغ روسينيول استقالة..."، كما طالبت تغريدات بمساءلة المجلس الأعلى للسمعي البصري، في حين طالبت أخرى بتوجيه الانتقادات إلى الوزارة.

وانتقد حزب "أهالي الجمهورية" تصريحات الوزيرة، وإن كان أكد على أنه لم يفاجأ منها، وقال "كان حزبنا على حق. فرنسا النيو-كولونيالية لا تزال تعتبرنا أهالي، ولم نصل بعد إلى مستوى المُواطَنَة"، كما دانت جمعيات عمالية مغاربية هذه التصريحات، واصفة إياها بـ"الكريهة"، كما جاء في تصريح رئيس فيدرالية الجمعيات المغربية في فرنسا.

وكعادة السياسيين الذين يتراجعون عن تصريحاتهم، بعد أن تكون الرسالة قد وصلت لمن يهمّه الأمر، أعلنت الوزيرة عن "خطأ في الكلام"، ليس إلا.

ولم تتورع روسنيول عن مهاجمة ماركات ملابس شهيرة أعلنت انفتاحها على الموضة الإسلامية، وأضافت الوزيرة: "لا يمكن لنا أن نعتبر الأمر عاديا كون ماركات شهيرة تستثمر أموالها في هذه السوق، وتضع النساءَ المسلمات في وضعية تلزمهن بارتداء هذا النوع من الملابس".

ولم تكن قراءة الوزيرة بعيدةً عن قراءة زميلها باتريك كانير، وزير المدينة، الذي زعم أن "السلفيين يريدون انتزاع السلطة"، وأن "نحو مائة حيّ في فرنسا تمثل مخاطر انحراف إسلامي، إذا لم نقم بأي شيء"، وهي تصريحات نالت إعجاب وتقدير اليمين المتطرف الفرنسي، إذ لا تختلف كثيرا عن نبوءات الصحافي اليميني إيريك زمّور الذي تحدّث في كتابه "الانتحار الفرنسي" عن "حرب معلنة بين الجمهورية الفرنسية وجمهوريات إسلامية منتشرة في الأحياء والضواحي".

المساهمون