إفراغ عنيف لمخيّم كاليه

إفراغ عنيف لمخيّم كاليه

01 مارس 2016
السلطات منحت المهاجرين ساعة للخروج من المخيّم (فرانس برس)
+ الخط -


بعد العنف الذي شاب اليوم الأوّل من عمليّة إفراغ مخيّم كاليه من المهاجرين، سارت الأمور أمس بهدوء نسبيّ فيما ندّدت المنظمات غير الحكوميّة بما ارتكبته القوات الفرنسيّة الإثنين.

على الرغم من رفض المهاجرين طالبي اللجوء الراغبين في الوصول إلى بريطانيا مغادرة مخيّم كاليه (شمال فرنسا)، إلا أن السلطات الفرنسية الحريصة على عدم إغضاب البريطانيين مصممة على إفراغ الجزء الجنوبي من المخيّم. يُذكر أن هؤلاء المهاجرين يحصلون على دعم منظمات عديدة طبية وإنسانية إغاثية، على رأسها "أطباء بلا حدود" و"مأوى المهاجرين" و"يوتوبيا 56" و"الإغاثة الإسلامية".

لم يحدّ اللجوء إلى القضاء الفرنسي من اندفاع السلطات لتنفيذ مشروعها، وما حذّرت منه المنظمات الإنسانية التي تُعنى بشؤون المهاجرين طالبي اللجوء في مخيّم كاليه، حدث. لم تصمد الهدنة سوى أيام قليلة، منح بعدها القضاء الفرنسي يوم الخميس الماضي في 25 فبراير/ شباط المنصرم، الضوء الأخضر للموقف السياسي الرسمي، أي الموافقة على اقتلاع هذا الجزء الكبير من المخيّم. ومن المتوقّع أن تستمر العمليات شهراً، بحسب تقدير وزارة الداخلية.

بالفعل، بدأت السلطات الفرنسية بإخلاء الجزء الجنوبي من مخيّم كاليه (الصفيح)، بعد أربعة أيام فقط من صدور القرار القضائي، الذي كان من المتوقع أن يؤيّد الموقف الحكومي. وهكذا بدأت بتفكيك المخيّم أوّل من أمس الإثنين 29 فبراير/ شباط المنصرم. وتشارك عشرات من شاحنات الشرطة في محاصرة المخيّم، لمؤازرة الموظفين المكلفين بتفكيكه ومنع متطوّعي الجمعيات الإنسانية والطبية من الاقتراب.

تجدر الإشارة إلى أن وزير الداخلية الفرنسية برنار كازنوف كان قد طمأن قبل أسبوع المهاجرين وكذلك الرأي العام الفرنسي، بأنه ليس من الوارد اللجوء إلى إفراغ عنيف لجنوب المخيّم من المهاجرين، وبأنهم لن يلجأوا إلى قوة البلدوزر لإخراج المهاجرين وإخفائهم في مناطق شمال فرنسا. كذلك، فإن قرار المحكمة الإدارية الذي يمنح السلطات الفرنسية حق إفراغ المخيم، يلحّ على ضرورة ألا يشوب تلك العلميات أي عنف، مذكّراً بأن "الدولة التزمت بإفراغ تدريجي للمخيم". على الرغم من كل ذلك، إلا أن الشرطة الفرنسية مارست عنفاً بحقّ سكان المخيّم. وقد نشبت صدامات عنيفة، بعد اشتعال النيران في عديد من الأكواخ بين عشرات المهاجرين والناشطين من جمعية "لا للحدود" وبين قوات الشرطة.

اقرأ أيضاً زهير لَهْنا: أين النخب العربية المدافعة عن حقوق المرأة؟

أجواء حرب حقيقية سجّلت بين المهاجرين وقوات الأمن الفرنسية التي استخدمت القنابل المسيلة للدموع. وقد نقلتها وسائل إعلام عالمية، أظهرت خيماً محترقة وصدامات عنيفة بين مجموعات من المهاجرين يؤازرهم ناشطون فرنسيون وبين قوات الشرطة التي استخدمت العنف في مواجهة هؤلاء.

بررت السلطات الفرنسية اللجوء إلى العنف على أنه "دفاع عن النفس وحماية للعمال المكلفين بتفكيك المخيم الذين كانوا يتعرضون لاعتداءات من قبل مناصرين للمهاجرين المنضوين تحت لواء جمعية لا للحدود". كذلك برّرت هذا الحزم برغبتها في تجنّب فشل شبيه بعمليات سابقة، متهمة ناشطين متطرفين من خارج المخيم بإفشال السير الطبيعي لهذه العمليات، التي تزعم أن غرضها هو "إقناع المهاجرين بمغادرة مقراتهم". وهو تبرير يرفضه بعض المهاجرين أنفسهم، خصوصاً الأفغان الذين يؤكدون بأنهم (بعضهم) تقدموا قبل أشهر عديدة بطلبات للجوء في فرنسا ولم يحصلوا على أي ردّ.

على الرغم من الهدوء الذي ساد عمليات تفكيك المخيّم أمس الثلاثاء في الأول من مارس/ آذار الجاري، بعد اشتباكات الإثنين، إلا أن منظمات وجمعيات كثيرة من بينها "مأوى المهاجرين"، ما زالت تندد وبشدة بعملية إخلاء المخيّم، خصوصاً وأن عمليات الإفراغ تحصل على عجل، وقد طُلب من المهاجرين في المكان بإخلائه فوراً، لتبدأ عمليات الهدم. وترى الجمعية أن الطريقة كانت "عنيفة ومنحطة خلافاً لالتزامات الدولة". وقد كشف أحد ممثليها أن السلطات الفرنسية لم تخبر الجمعيات بهذه العملية الواسعة، مشدداً على أنّ ما تتجاهله السلطات هو أن "هؤلاء المهاجرين يريدون الوصول إلى بريطانيا، وأنهم لن يغادروا المنطقة وستزداد أوضاعهم سوءاً، خصوصاً في عزّ الشتاء".

وتؤكد الجمعيات الموجودة في المكان على مغالطات السلطات التي منحت ساعة واحدة للمهاجرين للخروج من المخيّم، مقترحة عليهم التوجه إلى مراكز استقبال، بينما كانت قد وعدت بألا يُهدم المخيّم إلا بعد وصول هؤلاء إلى المراكز.

يبدو أن ما تريده السلطات الفرنسية من هذا الامتحان العنيف هو أولاً إسكان قسم من المهاجرين في "مركز استقبال مؤقت" محاذ لغابة كاليه، يشبه سجناً مغلقاً تسهل مراقبته - بحسب منظمات إنسانية - وقد استقبل منذ يناير/ كانون الثاني الماضي 1200 شخص. ثانياً، توزيع المهاجرين على 102 "مركز استقبال وتوجيه" على الأراضي الفرنسية، بعيداً عن مخيّم كاليه وعن حلم اللحاق ببريطانيا. في تلك المراكز، يستطيعون تقديم طلبات لجوء إلى فرنسا.

من جهتها، لا تخفي جمعية "يوتوبيا 56" التي تنشط في المخيّم منذ شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، أن من شأن هذه العملية تشتيت المهاجرين الذين سوف يصبحون مرّة أخرى "غير مرئيين وفي وضعية هشاشة"، محذّرة من حقيقة "عدم وجود أماكن إقامة لنحو خمسة آلاف شخص من سكان المخيمّ".

اقرأ أيضاً: قلق يتملّك أصحاب المكتبات الإسلامية في باريس