هكذا نحمي الأطفال من التحرّش

هكذا نحمي الأطفال من التحرّش

06 فبراير 2016
الأثر الاجتماعي للتحرش يعد كبيراً أيضاً (Getty)
+ الخط -

في مختلف المجتمعات، يمكن أن يكون الأطفال عرضة للتحرّش. من هنا أهمية القوانين الجزائية، التي تساهم في ردع تكرار هذه الأفعال، بالإضافة إلى حماية الأطفال

يدعو المؤلف الموسيقي والمغني الفرنسي إيف دوتاي، في إحدى أغنياته، إلى الأخذ بيد الطفل لمساعدته على شق طريقه نحو المستقبل، وتعزيز ثقته بنفسه ليكون قادراً على مجابهة الحياة، ما يجعل منه مواطناً منتجاً.

يشكل الطفل الثروة الأساسية للمجتمع، وهو العنصر الذي تقدم لأجله الاستثمارات الاجتماعية والعائلية. من هنا، تعددت الهيئات والجمعيات الإنسانية الدولية والداخلية، وتنافست الشرائع الوضعية للوصول إلى أسس قانونية تؤمن العناية بالطفل، وتحد من التعرض له نفسياً وجسدياً، وخصوصاً إذا بلغ هذا التعدي حد التحرّش الجنسي به وببراءته.

بالإضافة إلى الأذى النفسي الذي يسببه التحرّش الجنسي بالطفل، فإن الأثر الاجتماعي يعد كبيراً أيضاً. وتبيّن الدراسات العلمية والنفسية أنه قد يؤدي إلى عزلة اجتماعية وصعوبات في التأقلم، وانعدام الثقة بالغير، والتأخر في التعلم. من هنا، كان لا بد من تدخل المشرّع ووضع آلية لحماية الطفل والحد من آثار التحرّش به.

كذلك، فإن قراءة متأنية للقوانين والشرائع المطبقة في هذا المجال تبين أن تدخل المشرّع يأتي في إطار القوانين الجزائية التي تختلف من دولة إلى أخرى، والقوانين المدنية التي تقونن الاتفاقيات الدولية الراعية للطفولة وحقوق الطفل.

بداية، تهدف القوانين الجزائية إلى تأديب مرتكب جريمة التحرّش بالأطفال بهدف ردع الآخرين، وغالباً ما يكون ذلك من خلال نصوص في قانون العقوبات، وتضمن توسيع تجريم الأفعال التي تمسّ بالأطفال، وتشديد العقوبات حول الجرائم الجنسية المرتكبة بحقهم.

وفي ما يتعلق بالتجريم، تعاقب القوانين الجزائية ليس على فعل الاغتصاب فقط، بل أيضاً على التحرّش واللمس. وتطورت القوانين حتى أصبح الفعل مجرماً حتى لو تم عن بعد، ولا سيما عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو الإنترنت. وفي ما يخص تشديد العقوبات، غالباً ما تتجه القوانين إلى تشديد العقوبة إذا كان الضحية قاصراً يقل عمره عن خمسة عشر عاماً، وإذا كان مرتكب الفعل شخصاً تربطه صلة قرابة بالطفل أو القاصر، أو له سلطة أبوية أو قانونية كالولاية الشرعية، أو إذا حصل التحرّش الجنسي من خلال استخدام السلاح، أو عدة أشخاص معاً.

وتهدفُ القوانين الجزائية إلى العمل على منع إعادة ارتكاب الجرم من الشخص نفسه. لذلك، يجب أن يتضمن حكم القاضي الجزائي تدابير وقائية لمنع الفاعل من العمل في أي مهنة لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالأطفال، ومنعه من الوصاية أو الولاية القانونية على القصّر.

أيضاً، يجب على كل مواطن علم بحادثة تحرّش بطفل الإبلاغ عن الأمر، علماً أن عدم الإبلاغ يعد جنحة يعاقب عليها بالحبس.

إلى ذلك، وبهدف حماية الأطفال من الخوف الذي قد ينتابهم إذا ما أبلغ أحدهم الشرطة، ولضمان عدم محاسبة الفاعل، فإن المشرع الجزائي غالبا ما يعمد إلى إطالة مدة مرور الزمن على الجرم بحيث يكون تاريخ بدء سريان مرور الزمن على الفعل الجرمي هو تاريخ بلوغ الطفل سن التمييز القانوني أو الشرعي أو حتى في بعض الأحيان تاريخ بلوغه سن الرشد أو حتى سنا متقدما في حالات الجرم الفادح.

وتجدر الإشارة إلى أن بعض القوانين، منها القانون الألماني، يُتيح اللجوء إلى القيام بعمليات طبية تهدف إلى خصي المجرم أو الحد من رغباته الجنسية، كطريقة وقائية، شرط أن يحصل ذلك بصورة إرادية وبناء على طلبه أو تقرير طبي متخّصص.

إلا أن تدخّل الدولة لا يقتصر على الطابع الجزري أو الجزائي، بل تأتي القوانين المدنية لتساعد الطفل الضحية على إعادة تكوين شخصيته وتنمية قدراته النفسية والعقلية. في هذا الاطار، تتعدد الآليات، منها ما يتيح لقضاة المحاكم المتخصصة بقضايا الطفولة، بعد أخذ رأي النيابات العامة، تعيين وصي على الطفل يساعده على تأمين حاجياته اليومية وتأمين ظروف التعلم والانخراط مجدداً في المجتمع، ومنها ما يهدف إلى مواكبة الطفل طبياً، على أن يخضع بصورة دورية إلى رقابة نفسية للتخفيف من الضرر الذي أصابه، بالإضافة إلى تدابير خاصة لإعادة تأهيل الشخصية الجنسية للطفل الضحية.

في هذا الإطار، تبرزُ أهمية القطاعات والهيئات الاجتماعية في مساعدة الطفل الضحية، من خلال ابتكارها وسائل تثقيفية وتعليمية تشجع الطفل على التعبير عن مشاعره المكبوتة، وإخراج السلبيات التي رافقت الجرم، ما يساعده على فهم واستيعاب بعض المفاهيم الخاطئة اجتماعياً، واستخلاص أفكار إيجابية تساهم في تكوين شخصية مستقرة في المستقبل. نضيف أن الدراسات الإحصائية تبين أن غالبية جرائم التحرّش الجنسي بالأطفال تحصل من أشخاص مقربين ومن ضمن العائلة. من هنا، لا بد من البحث عن الأسباب الاجتماعية التي دفعت الفاعل إلى ارتكاب الجرم، وخصوصاً تلك المتعلقة بالفقر والبطالة وعدم الاستقرار الاجتماعي الذي يؤدي إلى عدم الاستقرار النفسي. يبقى القول إن عملية إعادة التأهيل النفسي للطفل الضحية تكون في معظم الأحيان مكلفة من الناحية المادية. من هنا أهمية ما تنص عليه التشريعات الاجتماعية، ولا سيما تلك المتعلقة بضمان المرض، على أن تكون نفقات العلاج الكاملة على عاتق الدولة والمؤسسات الاجتماعية العامة.

*محامٍ بالاستئناف في باريس

اقرأ أيضاً: سفاح القربى يهدد أطفال أميركا