القضاء التونسي في دائرة الاتهام

القضاء التونسي في دائرة الاتهام

26 فبراير 2016
محتجون مؤيدون للمعارض الراحل شكري بلعيد (فرانس برس)
+ الخط -
نزاهة القضاء في تونس تواجه تشكيكاً إعلامياً وبرلمانياً خصوصاً في ما يتعلق بالقضايا الإرهابية الأخيرة التي صدرت الأحكام النهائية فيها

واجه القضاء التونسي انتقادات واتهامات بعدم الاستقلالية وعدم النزاهة، خصوصاً في قضايا الفساد أو التي ترتبط برجال أعمال وسياسيين من النظام القديم. لكنّ انتقادات جديدة ظهرت تتعلق بتعامله مع قضايا الإرهاب. وتتهمه بعدم الجدية فيها، ونقص التخصص، خصوصاً بعد الإفراج عن الناطق الرسمي باسم تنظيم أنصار الشريعة المحظور، سيف الدين الرايس. وذلك بعد الحكم بعدم سماع الدعوى في التهم المنسوبة إليه، والمتعلّقة بالانتماء إلى تنظيم إرهابي، والإعداد لعمليات إرهابية في البلاد. كما أثبت القضاء براءة عدد كبير من الموقوفين بتهمة الإرهاب بعد الأحداث الأمنية التي شهدتها البلاد.

في المقابل، أثارت الانتقادات تذمّر القضاة، خصوصاً بعد تصريحات رئيسة لجنة الحريات في البرلمان التونسي بشرى بلحاج حميدة، التي اتهمت فيها أحد القضاة بعدم الجدية في التعاطي مع الموقوفين على ذمة قضايا تتعلق بشبهة الإرهاب. وطالبت بضرورة "وضع قضاة أكفاء للتحقيق في قضايا الإرهاب".

كما أشارت بلحاج حميدة إلى أنّ أحد الموقوفين أكد أنّه كان يجري اتصالات هاتفية مستمرة بأحد العناصر المنتمية إلى تنظيم "داعش" في العراق، وأنّ قاضي التحقيق لم يسأله بخصوص ذلك. وقالت إنّ هذا الموقوف عبّر لأعضاء اللجنة البرلمانية التي التقت به عن عدم رضاه من الوضع العام في البلاد وأنّه يريد أن يخرج إذا ما وجد سبيلاً إلى ذلك.

على صعيد آخر، كشفت رئيسة اللجنة أنّ "القاضي الذي أطلق سراح هذه المجموعة الإرهابية، لم يأخذ الوقت الكافي في التحقيق مع المتهمين.. فهناك أسئلة لم يطرحها وكان من المفترض به ذلك".

بدورهم انتقد القضاة بشدة تصريحات بلحاج حميدة. عن ذلك، تقول رئيسة جمعية القضاة روضة القرافي لـ"العربي الجديد" إنّ القضاة يتعرضون إلى ضغط إعلامي وسياسي بخصوص عدّة قضايا بما في ذلك قضايا الرأي العام، مؤكدة أنّ التشكيك في أدائهم ووطنيتهم أمر خطير.

تتابع أنّه لا يجب اتهام القضاة بطريقة مباشرة، ويجب مراعاة أنّ قضايا الاغتيال السياسي من أصعب القضايا التي تعرض على القاضي. وتشير إلى أنّ قرارات قاضي التحقيق في ما يتعلق بقضية المعارض شكري بلعيد (اغتيل 2013)، لم تنل إعجاب القائمين بالحق الشخصي أو محامي المتهمين، الذين شككوا في حياده واتهموه بأنّه يعمل لحساب أطراف سياسية.

يأتي ذلك، فيما أعلن القضاة الذين يتولون قضايا مكافحة الإرهاب عن رفضهم متابعة مهامهم، وتقديمهم طلبات لإعفائهم من العمل فيها. وذكر القضاة أنّهم استغربوا الهجمات الإعلامية المتعمدة والمتعاقبة على القضاة المكلفين بالنظر في هذه القضايا، بالترافق مع صمت الحكومة.

بدورها، نددت نقابة القضاة التونسيين بما اعتبرته تعاطياً إعلامياً غير مهني ومتحاملاً على القضاء والقضاة. وذلك على خلفية برنامج حواري بثته القناة الوطنية الأولى ويتعلق بالجهة القضائية المكلفة بقضايا مكافحة الإرهاب. ولاحظت الهيئة الإدارية للنقابة أنّ البرنامج الحواري تضمن تهجماً على القضاة وذكراً لأسمائهم وصفاتهم وأماكن عملهم. وهو ما اعتبرته خرقاً خطيراً وفاضحاً لقانون حماية المعطيات الشخصية ولسرية أعمال التحقيق. وحمّلت النقابة في هذا الإطار مسؤولية أيّ اعتداء يستهدف القضاة المذكورين في البرنامج أو المؤسسات القضائية التي يعملون بها لوزير العدل.

من جهته، بحث "المرصد التونسي لاستقلال القضاء" (غير حكومي) العلاقة بين المؤسسة القضائية وجريمة الإرهاب. وكشف رئيسه أحمد الرحموني عن غياب استراتيجية واضحة تعمل على إصلاح المنظومة القضائية وإرساء قضاء مستقل وفقاً للمعايير الدولية. واعتبر أنّ الوضع اليوم يتسم بعدم الاستقرار نتيجة لبروز ظاهرة الإرهاب الذي قد يكون فردياً أو منظماً. غير أنه من الممكن  مواجهة هذه الظاهرة عبر تسليط العقوبات على الفعل الإرهابي. كما انتقد في المقابل التشكيك في تعامل القضاء مع القضايا الإرهابية والانتقادات من بعض السياسيين والإعلاميين والمجتمع المدني، معتبراً ذلك تشكيكاً في نزاهة القضاء.

من جانبه، يقول عميد قضاة التحقيق في المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة إبراهيم الوسلاتي إنّ هنالك محكمة مختصة للنظر في قضايا الإرهاب، لكن لا يوجد قاض مختص. فقاضي التحقيق يختاره وكيل الجمهورية. والقضاة المستحدثون ليست لديهم الخبرة الكافية التي تمكّنهم من النظر في القضايا الإرهابية والبت فيها. وهو ما يجعلهم يواجهون بعض الصعوبات التي تعوق عملهم. وبالتالي، فإنّ قاضي التحقيق الذي يباشر مهام تتعلق بقضايا عادية، قد يجد نفسه فجأة مكلفاً بقضية إرهابية. وعليه أن يستجوب كلّ المتهمين الموقوفين الذين قد يكون بعضهم في آخر يوم من التوقيف. وعليه أن يصدر حكمه. وفي هذه النقطة يبرز الإشكال، إذ يمكن أن يتضح للقاضي أنّ الأبحاث ناقصة مثلاً، وبالتالي سيكون قراره غير عادل. ولذلك يجب أن يتمتع قاضي التحقيق بفترة كافية تسمح له بالإحاطة بكلّ النقاط المرتبطة بالقضية بحسب الوسلاتي.

اقرأ أيضاً: أطفال الإرهابيّين ضحايا أبرياء في تونس