الجوع العربي

الجوع العربي

24 فبراير 2016
في مصر طالب الناس أولاً بالخبز (فرانس برس)
+ الخط -

لما خرجت الجماهير مطلع 2011 للمطالبة بحقوقها، كانت مطالبها الأساسية معيشية. في تونس خرج الناس اعتراضاً على ظلم بائع الخضروات، محمد بو عزيزي، وفي مصر طالب الناس أولاً بالخبز (عيش)، ثم جاءت بعد ذلك بقية المطالب، وعلى رأسها الحرية.

يعاني عشرات ملايين العرب من الفقر والجوع، ويعيش ملايين آخرون تحت الحصار أو القمع، ويرضى ملايين آخرون بمستوى معيشة متدن لا يليق بالبشر، رغم أن بلدانهم ليست فقيرة كلية، وربما ليست منهوبة كلية.

يمكنك في كل بلدان العرب، كما كثير من بلدان العالم الفقيرة، أن تطالع الثراء الفاحش إلى جوار الفقر المدقع، ويمكنك أن تقارن البنايات الشاهقة بعشش القش أو مساكن الصفيح. ومن السهل أن تجد مظاهر الإسراف والتبذير متجاورة مع مظاهر العوز والحاجة، كلها في نفس المدينة، بل أحياناً في الشارع نفسه.

تركز الأضواء عادة على العواصم، ثم على المدن، لكن الفقر والجوع منتشران بشكل أوسع في الريف والضواحي، والتي تغيب عنها خطط التنمية لصالح المدن.

بلدان العرب تضم فقراء وجائعين. إنه أمر معروف، حتى إن دولاً عربية تتميز بوفرة اقتصادية يعيش فيها كثير من الفقراء ويبات فيها الآلاف جائعين.

لكن السنوات الأخيرة فاقمت الأزمات بقسوة. ملايين ينتظرون الموت جوعاً، أو يتعايشون مع أمراض سوء التغذية، أو يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة، في بلدان تدور داخلها صراعات عنيفة مدمّرة؛ وقودها الأول الفقراء.

يركن الفقراء عادة إلى طاعة من يوفر لهم لقمة العيش، هو أحد أسباب بقاء الأوضاع على حالها بخنوعهم، رغم أنهم أكثر الجهات المتضررة.

لا يعني ذلك أن نلقي عليهم بالمسؤولية عما تعانيه بلداننا العربية من تمييز وفساد وفشل، فهم الفئة الأضعف في المجتمعات، وهم الفئة التي تستحق الرعاية، وهم أيضا الفئة التي لو غضبت فلن تترك رطباً أو يابساً.

وبعيداً عن الفقر المادي، وهو قائم ومتفاقم، لا بد أن نركز على فقر من نوع آخر، يتعلق بالأفكار، أو ربما يمكننا تسميته "فقر التفكير".

ينفق أثرياء العرب أموالهم خارج بلدانهم على الملذات في الأغلب، وعلى مشروعات أحياناً، وهي أموال لا يستفيد منها الفقراء في بلدانهم. إنه الفقر الذي طاول الأثرياء أيضاً، ليس في أرصدتهم، وإنما في تفكيرهم، فلو أنهم أنفقوا تلك الأموال داخل بلدانهم على المشروعات، أو حتى على الملذات، لاستفاد منها ملايين الفقراء، ولانتقل عشرات الآلاف من معاناة الجوع إلى رفاهية العمل.

المزعج أن من تسببوا في إفقار الملايين بنهب ثروات البلاد ينظرون إلى الفقراء بدونية، بينما الفقراء ساكتون عن استعادة حقوقهم.

اقرأ أيضاً: لهذا يهاجر العرب

المساهمون