متسوّلون مليونيرات في السعودية

متسوّلون مليونيرات في السعودية

17 فبراير 2016
شبكات منظمة تتولى هذه "التجارة" (فرانس برس)
+ الخط -

نفذت قوات مكافحة التسول في الدمّام (شرق السعودية) حملة مداهمات واسعة استمرت شهراً تقريباً ضد المتسولين، وتمكنت من اعتقال متسول في حوزته أكثر من 150 ألف ريال (نحو 40 ألف دولار)، كانت حصيلة شهر واحد فقط من العمل. وبعدها بأيام، داهمت منزل متسولة في جدة (غرب)، فضبطت أكثر من 1.6 مليون ريال (427 ألف دولار) في غرفة بسيطة. لكنّ الأخطر هو اكتشاف وكر يديره وافد أفريقي مجهول الهوية، وفيه أكثر من 14 طفلاً يمتهنون التسول، في ما يشبه عصابة منظمة. أوضحت التحقيقات التي أجرتها هيئة التحقيق والادعاء العام في العاصمة الرياض أنّ دخل هذا الرجل بعد خصم أجر المتسولين الصغار يتجاوز 80 ألف ريال (21 ألف دولار) أسبوعياً.

لم يعد الأمر مجرد تسول، بل باتت عصابات تجني الملايين. يكشف تقرير رسمي لوزارة الداخلية أنّ مقدار ما جناه المتسولون العام الماضي أكثر من 700 مليون ريال (187 مليون دولار). هذا الأمر دفع وزارة الداخلية إلى إصدار التحذير التالي: "التسول من أساليب جمع الأموال للجماعات المشبوهة التي تستهدف الأمن والاستقرار، فاستشعر مسؤوليتك الأمنية بالامتناع عن تشجيعه". كما دخل المفتي العام للسعودية في حملة التوعية، مؤكداً في فتوى رسمية أنّه "لا يجوز منح المال لهؤلاء المتسولين لأنّ في الأمر تشجيعاً لهم على تشغيل الأطفال بطريقة غير نظامية، كما لا يمكن التأكد من حقيقة استحقاقهم المال".

يكشف الصحافي السعودي منير البدير عن تجربة مثيرة. فقد تقمص دور متسول في أحد شوارع جدة، وخرج بحصيلة لم يكن يتوقعها. يقول البدير لـ"العربي الجديد": "في أقل من أربع ساعات من امتهان التسول عند إشارات المرور جنيت أكثر من 4 آلاف ريال (أكثر من ألف دولار بقليل) ولم يسألني أحد عن السبب الذي أتسول من أجله وأنا رجل مقتدر مالياً وقادر على العمل". بيد أن التجربة الأكثر أهمية كانت تجربة الصحافية روزانا اليامي التي أجرت تحقيقاً ميدانياً عن التسول في جدة، وتقمصت هي نفسها دور متسولة. عندها وجدت نفسها أمام متسولة قديمة تهاجمها لأنها احتلت موقعها. اكتشفت اليامي أنّ الأمر منظم بدرجة كبيرة. تقول: "تبين لي أنّ تواجد المتسولات عند إشارات المرور منسّق بشكل كبير، فلا واحدة منهن تستطيع الاعتداء على منطقة متسولة أخرى. وكلّ منطقة محددة بسعر مختلف تدفعه المتسولة لرجل يعتبر القائد، وهو من يتولى توزيعهن على المناطق الخاصة بهن".

لا يختلف الأمر كثيراً في الرياض والمنطقة الشرقية، لكن بدلاً من أن يكنّ نساء أفريقيات، يجري استخدام الأطفال، خصوصاً اليمنيين، للتسول. الوضع فائق التنظيم هنا. يكشف أحد الأطفال الذين اعتقلوا أكثر من مرة أنهم يأتون من اليمن عن طريق التهريب. يقول الطفل، والذي يطلب عدم ذكر اسمه الحقيقي أو صورته خوفاً من مشغله: "ندفع 650 دولاراً لصاحب السيارة التي تنقلنا من اليمن إلى الرياض. وبحسب الاتفاق مع المشغل الذي يشرف علينا ويوزعنا على إشارات المرور ويؤمن السكن والملابس لنا، يدفع كلّ واحد منا له 53 دولاراً يومياً، أما الباقي فيتولى هو إرساله إلى عائلاتنا في اليمن". يؤكد الطفل أنّه اعتقل خمس مرات وفي كلّ مرة كان يُبعد عن السعودية، لكنّه يعود مجدداً عن طريق التهريب عبر الشخص نفسه".

تشير تقارير وزارة الشؤون الاجتماعية إلى اعتقال 23 ألفاً و274 متسولاً عام 2014، من بينهم 2638 سعودياً. كما أكدت دراسة علمية حديثة أنّ ظاهرة التسول في السعودية شهدت زيادة مستمرة وارتفاعاً مضطرداً خلال السنوات الأخيرة، مرجعة الأسباب إلى تزايد المتسللين عبر الحدود، وتخلّف بعضهم عن العودة إلى بلاده بعد أداء الحج والعمرة. وحذرت من آثار التسول السلبية من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والأمنية. كما أكدت الدراسة التي دعمتها "مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية" أنّ معظم المتسولين من الجنسية اليمنية، تليهم الجنسية المصرية، ثم الجنسيات الأخرى. وهم يتواجدون بشكل أكبر في مدينة جدة، ثم مكة المكرمة، فالعاصمة الرياض. وتراوح أعمارهم في الغالب بما بين 16 عاماً و25 عاماً. ومعظمهم متزوجون.

كذلك حذرت الدراسة من أنّ الأمر ليس مجرد تسول، بل يتجاوزه إلى النصب والاحتيال والسرقات، وتزوير المستندات، وانحراف صغار السن، وترويج المخدرات، مع ارتفاع معدلات الجرائم الأخلاقية، وازدياد الزواج غير الشرعي من دون أوراق رسمية وبالتالي إنجاب أطفال غير شرعيين. وبحسب الباحث الاجتماعي محمد العتيق، يستغل هؤلاء ضعف التنسيق بين الجهات المختصة مثل وزارة الداخلية ومكتب مكافحة التسول ووزارة الشؤون الاجتماعية ليفلتوا من العقاب. يتابع: "لم يعد الأمر مجرد ظاهرة، بل بات أزمة. لا تجد إشارة مرور في السعودية لا يقف عليها متسولون. تطور الأمر ليهدد الأمن، فكثير منهم يستغل هذا الدور لتنفيذ جرائم أكثر خطورة مثل تهريب المخدرات، أو جمع الأموال لأغراض مشبوهة".

يحاول مجلس الشورى السعودي إقرار قانون أكثر صرامة لمكافحة التسول، ينصّ على معاقبة من يقبض عليهم بالسجن سنتين والغرامة 20 ألف ريال (5300 دولار) ومصادرة الأموال المضبوطة لصالح الجمعيات الخيرية، وحرمان الأجانب المضبوطين من الدخول إلى السعودية خمس سنوات.

اقرأ أيضاً: السعوديات مرهقات من تأخير القضايا الأسريّة

دلالات