الموصل وما انقطع

الموصل وما انقطع

07 ديسمبر 2016
لن تعود الموصل نقطة الوصل (دليل سليمان/ فرانس برس)
+ الخط -
نتحدث عن مدينة الموصل التي لن تعود واحدة من محطات طريق الحرير، حيث تصل إليها قوافل التجار الذين جابوا في مخاطر فيافي وصحاري آسيا البعيدة إلى الشرق، وهم ينقلون على جمالهم المتعَبة ما خف حمله وغلا ثمنه من حرير وحلي الصين الإمبراطورية، وشعوب تلك البلاد والمدن التي مروا عليها في رحلتهم القاسية.

كما أنها لن تعود مدينة عراقية كتلك التي كان يعرفها العراقيون قبل محنة العقد الأخير الذي ألمّ بها، بداية على أيدي الاحتلال الأميركي الذي صاغ الحاكم العسكري، بريمر، معادلاتها والتي زرعت العراق من أقصاه إلى أقصاه بالخراب والدمار. ثم أكمل المالكي ما بدأه الغازي الأميركي، فنشأت داعش من هذه المزاوجة التي قضت بتفكيك الدولة وحلّ مؤسساتها، ثم تطييفها واستتباعها.

لن تعود الموصل كما كانت، بمليوني نسمة، هم تعداد سكانها الأصليين قبل غزو داعش لها، بقي منهم مليون وأكثر، رغم قيام خلافة أبو بكر البغدادي. الآن تعمل جيوش التحالف الدولي على تنفيذ عملية تحرير "نظيفة"، كما يعلن القادة العسكريون من عراقيين وغيرهم. الطائرات والمدافع الأميركية والكندية والإنكليزية والفرنسية والإيرانية والبلدية تعمل دكا في المدينة التي تحتل الرقم الثاني في العراق بعد بغداد، ليس فقط لجهة التعداد السكاني، بل في الدور الثقافي والعلمي والاجتماعي في عموم بلاد الرافدين. فقد لعبت قديماً وحديثاً نقطة الوصل والتواصل بين أجزاء العراق ومع الخارج المحيط، بدءاً من تركيا، مروراً ببلاد الشام وحتى إيران، وصولاً إلى العمق الآسيوي. مدينة تكاد تلمس في كيانها كل تراث العراق البعيد والقريب، الموغل في القدم منذ أيام نينوى عاصمة الآشوريين، مروراً بالممالك العربية التي نهضت بين ربوعها، وصولاً إلى الإمبراطورية العثمانية وحتى مرحلة الاستعمار الإنكليزي. مدينة يشارك الجميع في صياغة دورها، فتعيد تشكيلهم بناء على الشخصية التي اكتسبتها عبر أجيال وأجيال.

عرب وأكراد وشبك وآشوريون ومسيحيون ومسلمون وصابئة وإيزيديون وسواهم، هم الذين صنعوا مجدها الذي تعيد مدافع قوى التحالف طيه، بعد أن عملت سيوف الخليفة وأعوانه في رقاب ما أقامته من هياكل حضارية.

الآن لن تعود الموصل نقطة الوصل والربط عراقياً ومع المحيط القريب والبعيد. تغيّر سكانها مع هيمنة داعش، وسيتغيرون مع الحشد الشعبي، ونماذج الرمادي والفلوجة وغيرها تشهد على أن ما يجري أخطر من مجرد هيمنة وافدة على حساب هيمنة آفلة. فما يحدث أكبر من انتقام حتى... ستنتهي الحرب قريباً أو بعيداً، لا فرق، لكن النتيجة واحدة هي أن مهندسي التلاعب السكاني وتغيير الديموغرافيا سيلعبون لعبتهم القذرة، وستتعرض مدينة أو جوهرة عراقية عربية للموات المحتم.

*أستاذ جامعي


المساهمون