افتح فمك يا أستاذ

افتح فمك يا أستاذ

05 ديسمبر 2016
رفع الكمّامة إلى وجهه (جون مور/Getty)
+ الخط -
كانت ملامح وجه السيدة توحي بأن هناك الكثير من الكلام العالق في بطنها. ربما كانت متردّدة بالمبادرة تجاه الغريب الجالس قبالتها. حملت مجلّة فنّية وتصفّحت غلافها قبل أن تعاود وضعها على الطاولة. بدا واضحاً أنها غير مهتمة بها. ثم تناولت هاتفها الخلوي، ومرّرت سبّابتها سريعاً عليه قبل أن تعيده إلى مكانه، بالقرب من حقيبتها.

كان صبرها قد نفد، وكانت بحاجة لمن يشاطرها ما تفكّر به. فبدأت بالكلام:
- إلّا الأسنان. من دونها لا تستطيع أن تأكل. وما الحياة من دون أكل؟ من دون الأكل لا تستطيع أن تعيش (قالت كلماتها الأخيرة بإيمان من توصّل إلى اكتشاف جديد للتو).

ابتسم الغريب من دون أن يعلّق. لم يكن في مزاج من يريد المشاركة بحديث، ولو أنها بدت ودودة في تلك اللحظة التي جمعتهما في صالون عيادة طبيب الأسنان. لكن السيدة الخمسينية لم تكن لتنتبه لعدم اكتراثه هذا، كانت تريد من يسمعها حتى لو لم يشاركها الحديث. فتابعت:
- تأخّر موعدي. أكره عندما يحدث هذا. الصبيّة التي دخلت منذ ساعة لم تخرج حتى الآن. وقد بدأت تأخذ من وقتي الخاص. وضعي سيئ، وكذلك وضع البلد.

هنا بدا واضحاً الاستغراب على وجه الغريب من عبارة السيدة التي ربطت بأسنانها ما بين الشأنين الخاص والعام. ولم ينقذه من التعليق في المرة الثانية إلّا خروج الطبيب ليرحّب بالسيدة التي انفرجت أساريرها فور رؤيته. كان مؤكداً أن الغريب قد نجا من حديث سيبدأ بأنواع معجون الأسنان ولن ينتهي بمشاكل البلاد التي ملّ منها.

لم تتأخر السيدة داخل العيادة. عشر دقائق بالضبط. تماماً كما وعد الطبيب عندما خرج لاستقبالها وإبلاغ الغريب بأنه لن يتأخّر. عندما غادرت، وجاء دور الغريب، كانت الابتسامة مرسومة على وجهها ولو لم تظهر أسنانها. كانت تحلم بالوجبة التالية. هكذا فكّر الغريب في نفسه بعدما استرجع حديثها السريع.

دعا الطبيب الغريب للدخول إلى العيادة. كانت مساعدته متجهّمة لسبب غير واضح بالضبط، فتوجّس الغريب شرّاً. أما الطبيب الذي ارتدى قميصاً وبنطلوناً زرقاوين كمثل اللذين يرتديهما الأطباء في غرف العمليات، فقد حاول أن يكون أكثر لطفاً من مساعدته التي ظلّت متجهّمة بعد ذلك.

سأل الطبيب الغريب عن ألم أسنانه. فأجابه بأنه تلقّى أكثر من إشارة ألم للضرس نفسه في أوقات مختلفة.

هزّ الطبيب رأسه كمن كان قد سمع هذه العبارة عشرات المرات. وضع قفازيه المطاطيين في يديه، رفع الكمّامة إلى وجهه، وسوّى نظارتيه الطبيتين. كان كالجندي المدجّج الذي بات مستعداً لإطلاق رصاصته الأولى. ثم قال بصوت جهوري واضح: "افتح فمك يا أستاذ!".


المساهمون