عواصف إيران الغبارية تفتك بصحة السكان

عواصف إيران الغبارية تفتك بصحة السكان

01 يناير 2017
باتت العواصف الغبارية ظاهرة (بهروز مهري/ فرانس برس)
+ الخط -
موقع إيران الجغرافي جعلها دائماً عرضة لعواصف تحمل غباراً وأتربة معها. هي عواصف ازدادت حدّتها في السنوات الأخيرة، ما انعكس سلباً على الطبيعة نفسها، وعلى السكان الذين تضرّرت صحتهم بسببها

صحة الإيرانيين مهدّدة بالغبار والأتربة التي تحملها العواصف إلى أجواء مدنهم في أيام كثيرة من العام. لا يقتصر الأمر على منطقة دون سواها، فمعظم المحافظات مهدّدة، سواء في الغرب أم الشرق أم الجنوب أم الوسط، ولو أنّ قوة العواصف ترتفع في مناطق بعينها.

باتت هذه الظاهرة المناخية أكثر وضوحاً في المدن. فقد كانت العواصف تهبّ على القرى والأرياف والمناطق المفتوحة، لكنّها الآن باتت تضرب المدن، ما يؤثّر في الحركة الاجتماعية والاقتصادية والزراعية، بل ويرفع من معدّلات التلوث الذي يهدّد أساساً سلامة 30 مليون إيراني تقريباً يقطنون في مدن تُعاني من هذه العواصف، بحسب مؤسسة البيئة.

تؤكّد دراسات المؤسسة أنّ عواصف الأتربة والغبار تضرّ بـ37.5 في المائة من الإيرانيين، فالرمل المتحرّك مع هذه العواصف يترسّب في الرئتين، ما يؤدّي إلى مخاطر جدية تؤثر في صحة القلب، والأوعية الدموية، والجهاز التنفسي.

يشير أحد مستشفيات مدينة كرمانشاه، غرب إيران، إلى أنّ هبوب كلّ عاصفة من هذا النوع يزيد أعداد المراجعين المصابين بأمراض القلب بنسبة 10 في المائة، وعدد المراجعين المصابين بأمراض الجهاز التنفسي بنسبة 5 في المائة، كما يزيد من حالات الوفاة التي تسببها أساساً هذه الأمراض بنسبة 3 في المائة.

من جهته، يؤكّد مدير المؤسسة الوطنية لمكافحة الغبار والأتربة الدكتور ضياء الدين شعاعي أنّ معدلات هبوب هذه العواصف زادت كثيراً خلال العقد الأخير، وفق دراسات وتحقيقات رسمية. يقول إنّ هذه الظاهرة لا تخصّ إيران وحدها بل تعاني منها دول عدة في منطقة غرب آسيا. يضيف أنّها كانت تعصف بالمناطق الجافة من إيران مرة واحدة في العام، لكنّها تتكرر أكثر من مرة الآن.

في حديثه إلى "العربي الجديد" يقول شعاعي إنّ سبب ذلك يعود إلى زيادة العوامل المؤثرة في العواصف التي لوحظ أنّها زادت كثيراً في محافظة خوزستان خلال السنوات الثلاث الأخيرة. ووصل الأمر إلى حدّ هبوبها على المحافظة لمدة تصل إلى 130 يوماً متفرّقة في العام، ما يزيد من قلق المسؤولين والمواطنين على حد سواء.

وفي شرحه أسباب الظاهرة، يقول إنّ الجفاف هو المسبّب الأول، وهبوب الرياح هو الثاني. مع ذلك، يُقلل من أهمية العامل الأخير، فالرياح على حالها منذ قرون طويلة بحسب تعبيره، لكنّ ما تغيّر هو ازدياد مساحات المناطق الجافة وأعدادها ما زاد من حدّة هذه العواصف مؤخراً.

وعدا عن نتائجها على صحة السكان، يشير شعاعي إلى أنّ العواصف تنعكس سلباً على المحاصيل الزراعية، وحتى على الحيوانات وصحتها. ويؤكد أنّ معدلات إنتاج العسل والحبوب في الكثير من المناطق الإيرانية التي باتت تتعرّض باستمرار لهذه العواصف تسجّل انخفاضاً خطيراً.

من جهته، يشير مركز "ويلسون" للأبحاث إلى أنّ 23 محافظة إيرانية من أصل 31 باتت تعاني اليوم من هذه الظاهرة. ومن الأرقام التي يقدّمها أنّ أكثر من ثمانين عاصفة ترابية وغبارية تهب على محافظة سيستان وبلوشستان جنوب شرق إيران، كلّ عام. كذلك، ترفع هذه العواصف معدلات التلوث في مدينة الأحواز إلى 16 مرة عن المعدلات المعروفة عالمياً، ما يتسبّب بتعطيل الحياة فيها، ويجعلها واحدة من أكثر المدن تلوثاً بالغبار على مستوى العالم.

تدرك الحكومة الإيرانية خطورة الأمر، وقد أقرّت مؤسسة البيئة خططاً وبرامج للوقوف في وجه تجفيف المسطحات المائية، وقد منعت بالفعل بناء السدود إلاّ وفقاً لبرامج دقيقة واضحة. كذلك، فتحت مناقشات مع دول الجوار، في محاولة لتقليص المسببات البشرية، ووقّعت مع دول أخرى أربع اتفاقيات في هذا الخصوص، وتستعدّ لاستقبال مؤتمر ضخم بحضور خمسين دولة لبحث القضية قريباً.

كذلك، انتقدت مؤسسة البيئة قرارات البرلمان الإيراني الأخيرة التي خفّض فيها الموازنة المتعلّقة ببرنامج مكافحة التصحّر ومواجهة عواصف الأتربة والغبار. واعتبرت المؤسسة وفق تصريحات رسمية أنّ هذا التخفيض سيؤخّر الخطط الحالية لها، ما يعني عدم معالجة التبعات التي تؤدي إلى تدهور صحة ملايين المواطنين.

في المقابل، يعتبر أعضاء في البرلمان أنّ هذه المؤسسة مقصّرة، لا سيما في ما يتعلّق بالأوضاع في محافظة خوزستان التي تعدّ من أكبر المحافظات ومن أكثرها فاعلية اقتصادياً. يقول عضو لجنة الصحة في البرلمان الإيراني النائب أحمد همتي لـ"العربي الجديد" إنّ البرلمان قام بما عليه، فأقرّ الخطط التي تركّز على إحياء المسطحات المائية وإيقاف بناء السدود إلا وفقاً لدراسات خاصة، ودعا إلى مفاوضات مع الدول الجارة. ويعتبر همتي أنّ ما تبقّى يقع على عاتق مؤسسة البيئة الملزمة بتطبيق هذه القرارات.

المساهمون