لا ضرر ولا ضرار

لا ضرر ولا ضرار

04 ديسمبر 2016
ربّما ترتديه قاصرة (محمد عبد/ فرانس برس)
+ الخط -
مخيفة نسبة زواج القاصرات في مصر. هذه الظاهرة جعلته يتصدّر دول المنطقة، لتصل نسبة زواج القاصرات إلى 11 في المائة، خصوصاً في القرى والأرياف، رغم وجود قانون يمنع زواج الفتيات دون سن 18 عاماً. إلا أن بعض الأهالي يلجؤون إلى حيل، من بينها "الزواج العرفي"، بهدف التصديق على الزواج في المحاكم بعد بلوغ السن القانونية.

ويؤمن الآباء ببعض الأمثال الشعبية، منها "الراجل ما يعيبوش (لا يعيبه) إلّا جيبه"، و"البنت مالهاش (ليس لديها) غير (إلا) بيت جوزها". هاتان العبارتان والكثير غيرها تتحوّل إلى عرف، ولا يُمانع الآباء تزويج الفتيات لرجال طاعنين في السن، خصوصاً إذا كانوا من الأثرياء المصريّين أو العرب.

في عدد من المحافظات المصرية، يرغب الآباء في تزويج بناتهم بمجرد أن يبلغن الثانية عشرة، خصوصاً في الفيّوم والوجه القبلي ومعظم قرى بني سويف. وتضطر الأسر إلى التحايل على القانون من خلال الاستعانة بمحام أو مأذون يعيد عقد القران بعد إتمام الفتاة السن القانونية.

يعزو عدد من الباحثين الاجتماعيّين سبب انتشار ظاهرة زواج القاصرات في مصر إلى الظروف الاقتصادية والعرف السائد في عدد من محافظات مصر. بعض العائلات تفكّر فقط في تزويج الفتيات وسترهنّ باكراً. ويكثر تزويج القاصرات في محافظتي الجيزة والفيوم، تليهما محافظة سوهاج، ثم أسيوط والأقصر. كذلك تنتشر في محافظات الوجه البحري، خصوصاً كفر الشيخ والبحيرة والدقهلية، بالإضافة إلى المناطق الشعبيّة في القاهرة.

شيماء (15 عاماً) من محافظة الأقصر تزوّجت عرفيّاً مرّتين. كانت قد رفضت الزواج، إلا أنّ والدها أجبرها لأن زوجته لم تعد تريدها في البيت. أما هند، وهي من الحوامدية، فتقول: "زوّجني أبي عرفياً وعمري 16 عاماً من رجلٍ سعودي يكبرني بـ 20 عاماً. في البداية رفضت، إلّا أنّه كان يضربني لأوافق على الزواج منه. وكلّما رأيت زوجي غبت عن الوعي. طلبت الانفصال فرفض. في النهاية، قبلت بالأمر الواقع وأنجبت منه ولداً. بعدها، سافر وقد مزّق ورقة الزواج العرفي".

من جهتها، تقول حنان (18عاماً)، وهي من حي الشرابية في القاهرة، إنها باتت ترفض الزواج اليوم، رغم أنها تطلقت من زوجها، وذلك "لأنّ والدي زوّجني حين كنت في الرابعة عشرة من عمري. كان يكبرني بـ 20 عاماً ولديه أولاد. إلا أن والدي أصرّ على تزويجي منه لأنه تاجر. ليلة الزفاف، نقلت إلى المستشفى بسبب إصابتي بنزيف حاد، وصرتُ أعاني من التبوّل اللاإرادي. وبسبب استحالة حياتي معه، انفصلنا". هذه التجربة جعلتها تكره الزواج.

صفاء (45 عاماً)، وهي أم، وافقت على تزويج ابنتها وهي في الرابعة عشرة من عمرها، بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية الصعبة. أما مها (18 عاماً)، وهي من صفط اللبن في الجيزة، فتقول إنها تزوجت منذ ثلاث سنوات من أحد أقربائها عرفياً. اكتشفت من أول ليلة تناوله المخدرات، وانفصلا بعد ثلاثة أشهر من الزواج.

إلى ذلك، تقول أستاذة علم الاجتماع السياسي في جامعة القاهرة، هدى زكريا، إن زواج القاصرات تحوّل إلى ظاهرة اجتماعيّة خطيرة تهدّد المجتمع المصري، بسب ارتفاع نسبة الطلاق وكثرة الأطفال المشردين، لافتة إلى أن معظم هؤلاء من دون نسب نتيجة الزيجات العرفية. وترى أن "الفقر هو السبب الرئيسي لانتشار هذه الظاهرة، ما يدفع الأهالي إلى التفكير في الاستفادة من المهر". وتشير إلى "وجود عصابات للسمسرة في بعض القرى وتزويج القاصرات للأغنياء".

تضيف زكريا أنّ "وجود بعض المتشدّدين في القرى أدى إلى تفاقم الظاهرة. فهؤلاء يرون أنه في حال ظهر على الفتاة علامات البلوغ، ولو كانت صغيرة السن، يجب تزويجها فوراً". وتلفت إلى أنّ "هؤلاء يقنعون الأهالي من خلال أحاديث دينية لا أساس لها من الصحة".

ويرى رئيس لجنة الفتوى السابق في الأزهر، الشيخ جمال قطب، أن زواج القاصرات جريمة يعاقب عليها القانون، مؤكداً أن المجرم الأول هو الأب والعائلة التي قبلت زواج طفلة صغيرة. ويلفت إلى أن تعطيل القوانين مبدأ مرفوض، مشيراً إلى أنه لا يقبل عقد قران فتاة دون سن 18 عاماً. ويقول إنه "لا بدّ من زيادة وعي الأسرة التي تبيع بناتها من أجل حفنة من المال، فما يحدث هو عنف ضد الأبناء".

بدوره، يقول رئيس محكمة الأسرة الأسبق، المستشار جمال الجيلاني: "رغم أن القانون رفع سن الزواج إلى 18 عاماً للفتاة، ما زالت ظاهرة تزويج القاصرات مستمرة". ويلفت إلى أنه ليس للفتاة سلطة على ولي أمرها، خصوصاً في القرى والأرياف، وهو ما يؤدّي إلى انتشار هذه الظاهرة في مصر. يضيف أنّ القانون في مصر معطّل، والقاعدة العامة في الإسلام تقول إنه "لا ضرر ولا ضرار".