ميلاد اسكندنافيا بنكهة القرفة

ميلاد اسكندنافيا بنكهة القرفة

كوبنهاغن
5698EA23-7F4D-47FA-B256-09D7BCA82E5A
ناصر السهلي
صحافي فلسطيني، مراسل موقع وصحيفة "العربي الجديد" في أوروبا.
23 ديسمبر 2016
+ الخط -
تبتسم الدنماركية السبعينية إليزابيث، وهي تتحدث مع "العربي الجديد"، عن عيد الميلاد في زمن طفولتها وشبابها، واختلافه عن ميلاد الأحفاد اليوم. تقول: "اليوم لدى الناس تنافس على شراء أثمن الهدايا. تحت شجرة الميلاد ثمة هدايا أكثر وأكبر وأثقل مما كان".

تقاطعها ابنتها الثلاثينية وهي تحمل بيد بعض أكياس الهدايا وباليد الأخرى هاتفها. تستمع إلى ما تقوله الوالدة وتنقل عينيها بيننا وبين هاتفها لتتغير فجأة ابتسامة الابنة كريستينا إلى نظرة خائفة وجدية: "شيء رهيب يحدث في برلين الآن. اقتحمت شاحنة سوق عيد الميلاد الآن... هو نفسه يا أمي الذي كنّا فيه قبل عام...".

يتبدل الحوار فجأة بالترافق مع حلول الظلام المبكر في الشمال. لكنّ إليزابيث الأم والجدة لا يبدو عليها نفس خوف ابنتها. تقول: "لا عليك سأشرح لك شيئاً مهماً... في شبابي تعرفت على ثقافات كثيرة وزرت بلداناً عدة. غداً سيقول كثيرون إنّ المسلمين إرهابيون، وكلام الإعلام سيكون كالسهام مصوبة نحوهم. لكن، لدى المسلمين عيدان حضرت واحداً في القاهرة وآخر في المغرب. ما لدينا هو عيد نتبادل فيه منذ الصغر ما هو أهم من الهدايا، وهو التقاء الأسر والحفاظ على علاقات عائلية. وهو ما رأيته في المغرب ذات يوم، الناس يرتدون الجديد ويزورون بعضهم البعض بعد الصلاة. بالنسبة إلينا، تغير الكثير. من أهم ما ألحظه، عدا عن كون الناس باتت لديهم أموال أكثر، لم يعد الميلاد، خصوصاً للجيل الجديد، يعني الكثير غير الاستهلاك والهدايا".

تقارن: "في صغري كنا نذهب إلى الكنيسة، واليوم للأسف قلة من يفعلون... لكن في الريف، من حيث أنا في الأصل ما زال الناس في أقصى الشمال الغربي للبلاد محافظين على تقليد قداس ليلة عيد الميلاد".

بعد ساعتين فقط من حادثة برلين، وخلال التجول في أجواء باردة وسط مدينة آرهوس الدنماركية، التي تعتبر ثاني أهم مدينة بعد العاصمة كوبنهاغن، يبدو البعض مندهشاً من السؤال عن الميلاد واحتفالاته. يعلّق بعضهم مباشرة: "الناس يشعرون بحزن مما جرى. ألمانيا قريبة، مما يعني أننا لسنا في أمان حتى هنا".

بدورها، تقول السيدة كيرستن لـ"العربي الجديد": "أعيش وفق العقيدة البوذية، لكنني ما زلت عضوة في الكنيسة الشعبية وأحتفل بالميلاد بالطبع بكلّ تفاصيله التي تربيت عليها منذ صغري". تصف مشهداً من ميلاد زمان: "كنا نصنع الهدايا بأنفسنا ونغلفها ونضعها تحت الشجرة، ونكتب ممن هي وإلى من. أتذكر أنّ يوم الأحد الذي يسبق ليلة عيد الميلاد كنّا نخرج في المدينة بما نسميه مسيرة الميلاد، يلبس فيها البعض ملابس بابا نويل، والبعض قبعات السنافر، فنشاهد نوافذ المتاجر. وبعد ليلة الميلاد، نخرج في زيارات للعائلات والأصدقاء نتبادل أطراف الحديث مع القهوة والكعك. أما الغداء فيبقى مقتصراً على أفراد العائلة من أبناء وأحفاد وجد وجدة".

أما السبعينية، أولغا يكوبسن، فتشرح بحماس وبما يشبه الحنين إلى الماضي عن الميلاد: "في صغرنا، لم يكن لدى الناس كثير من الأموال. كانت هناك بساطة أكثر حول شجرة الميلاد التي جاءت في الأصل إلى إسكندنافيا من ألمانيا. كنا سعداء بأيّة هدية توضع في الجورب المعلق لنا بلون أحمر عندما نستيقظ من النوم... فالظن هو أنّ بابا نويل، أو نيسنا كما نسميه، هو من يضع لنا قطعة حلوى أو أيّة هدية بسيطة في جوربنا. كانت العادة أن نكون منضبطين ونستمع إلى كلام وتوجيهات الأهل. وكلما كنا مؤدبين، كانت الهدايا أكثر. لا أقصد أنها هدايا كالتي تنتشر اليوم، فهل تصدق أنّي لم أعرف البرتقال إلاّ عندما بت في الرابعة عشرة!؟ البرتقال كان من الكماليات ليس كاليوم. كان الناس يعيشون في القرية ببساطة شديدة، مع نوع من التبادل، فيعطي الجيران بعضهم البعض ما يحتاجون في موسم صناعة الحلوى للعيد".

تتابع حول تلك الحلوى: "هو كعك العيد مع ما فيه من قرفة وكثير من الزبدة التي تصنع في القرية، يقدّم مع مشروب الميلاد الساخن الذي نسميه غلوغ. كان لدى الناس أفران على الحطب، تخصص للتدفئة وكذلك لصنع المأكولات والحلويات. العيد كان يعني صرف الكثير من الوقت في التحضيرات. والناس كانت أكثر كرماً مما هي عليه اليوم". تبتسم أولغا لتضيف: "عادة، في الفناء الخلفي للبيوت، وبالرغم من الثلج والبرد كان يدبّ فينا الحماس حين يؤتى بالخنزير لذبحه. ومنه تصنع بعض المأكولات للميلاد. مثل هؤلاء الذين يأتون بما يذبحونه وضعهم جيد مادياً. وهؤلاء يعطون جيرانهم بعض البرتقال. وفقط في الميلاد كنا نتقاسم حبة أو اثنتين كأخوة ونحرق قشرها لتنشر المطبخ برائحتها".

تستغرب يكوبسن: "لماذا تهتمون في صحيفتكم بالميلاد عندنا، أليس الميلاد في الأصل من عندكم، من بيت لحم؟". وعندما تدرك المقصد، تودع "العربي الجديد" بقطعة حلوى صنعت منها الكثير انتظاراً لزيارة الأبناء والأحفاد وزيارة الجيران لها. وهي نفسها الحلوى التي تعرفها منذ زمن بعيد: كعكة اسكندنافية تقليدية فيها الكثير من الزبدة والقرفة... وروح الميلاد.

ذات صلة

الصورة

مجتمع

منذ صباح السبت، بدأت الصلوات تقام في كنيسة المهد بمدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية احتفالاً بعيد الميلاد، حيث أعرب المشاركون بها عن حزنهم لما يحدث في قطاع غزة.
الصورة
بعض من الحياة اليومية في غرينلاند (سين غالوب/ Getty)

مجتمع

على الرغم من أن أقلية "الإنويت" جزء لا يتجزأ من الدنمارك، إلا أنها تواجه سياسة عنصرية بنيوية إلى درجة انتزاع أطفال من عائلاتهم، ما دفع الأمم المتحدة إلى التنديد.
الصورة
ما أبرز أمنيات السودانيين في 2023؟

مجتمع

يعيش السودانيون منذ 4 أعوام ظروفاً اقتصادية وسياسية وأمنية بالغة التعقيد، عقب الثورة الشعبية التي أطاحت نظام الرئيس المخلوع البشير. وبالرغم من ذلك، ظلت أحلام وأماني معظم السودانيين تراوح بين البحث عن الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني عاما تلو عام.
الصورة
ذكرى النكبة في الدنمارك (ناصر السهلي)

مجتمع

تشهد مدن الدنمارك التي يعيش فيها نحو 30 ألفاً من الفلسطينيين، هذه الأيام، نشاطات وفعاليات فلسطينية متعددة تمتد طيلة الأسبوع إحياء لذكرى النكبة، وبمشاركة متضامنين دنماركيين، بالإضافة إلى مهرجان السينما الفلسطينية الذي تحتضنه مدينة آرهوس (وسط غرب).