ما تخبّئه الأوراق الملوّنة

ما تخبّئه الأوراق الملوّنة

21 ديسمبر 2016
تحمل شيئاً من روحنا (شون غالوب/ Getty)
+ الخط -

"ليه فابل دو لافونتين". ما زال كتاب أساطير الشاعر الفرنسيّ جان دو لافونتين محفوظاً على أحد رفوف مكتبة منزل العائلة. كتاب من القطع الكبير، تتضمّن صفحاته رسومات تتناسب مع كلّ واحدة من حكاياته الخرافيّة.

قبل سنوات طويلة، نزعتُ عنه الورقة الملوّنة التي كانت تغلّفه، بعناية فائقة. كان يحظّر علينا تمزيق أوراق الهدايا. واحدة من قواعد صارمة عدّة حكمتْ طفولتنا. كثيراً ما تأفّفنا منها، إلا أنّها شكّلتنا. وما زالت تحكمنا. جدير بالذكر أنّ تلك العناية لم تخلُ يوماً من حماسة تتوق إلى اكتشاف ما تخبّئه الأوراق الملوّنة. يمكن الجزم بأنّ تلك الحماسة تأتي مضاعفة مرّات ومرّات، في مثل هذه الظروف. القواعد الصارمة، أقصد.

قبل سنوات طويلة، فور تلقّيه، استعجلتُ قراءة بعض من ذلك الكتاب. رحتُ أقلّبُ أوراقه وقد عزلتُ نفسي عمّا يدور في "أوضة الشتي". هذا ما نطلقه اصطلاحاً على غرفة الجلوس. لكنّني، سريعاً ما أطبقتُه ووضعتُه جانباً. الآداب تقتضي مجالسة المهنّئين بالعيد. حصل ذلك في عيد الميلاد. "ليه فابل دو لافونتين" من هدايا العيد القليلة التي ما زالت محفوظة.. وبعناية فائقة. ما زالت محفوظة، ليس فقط لأنّها تستأهل ذلك، بل لأنّ من قدّمها عزيز اختارها من دون شكّ بعناية فائقة. أدركُ ذلك اليوم.

الهديّة تحمل شيئاً من روح مقدّمها. هذا ما يقول به بعض الذين يحاولون الغوص في النفس البشريّة. الهديّة لغة مغايرة غير منطوقة، تعبّر عن مشاعر مقدّمها تجاه متلقّيها. هي لغة صادقة، تؤكّدها فرادتها وحيرتنا عند اختيارها، تماماً كما لو أنّنا نختار مفرداتنا بعناية.. مفردات تترجم مشاعرنا.

الهديّة هي ما نقدّمه لقريب أو صديق من تحف وألطاف. هي ما نُقدّمه من أشياء، إكراماً له وحبّاً فيه أو لمناسبة سارّة عنده. هكذا تُعرَّف الهديّة - جمعها هدايا - في المراجع اللغويّة. بعد أيّام قليلة، يحلّ عيد الميلاد. هو مناسبة سارّة، وإن كثُرت المنغّصات. هو مناسبة تقتضي تقديم الهدايا إلى أعزّاء. "تقتضي" من دون إكراه، لا بل بحماسة تشبه تلك التي كانت تغمرنا ونحن صغار نتوق إلى اكتشاف ما تخبّئه الأوراق الملوّنة.

هديّة. هدايا. إنّه موسم الأعياد. نقع في حيرة. ماذا نقدّم لهؤلاء الأعزّاء. نحاول إعداد قائمة بأسمائهم قبل أن نقرن كلّ واحد بالهديّة المناسبة. هؤلاء ليسوا كثيرين، غير أنّنا غالباً ما نرتبك في الاختيار. نبحث عن هدايا من شأنها أن تمنحهم سعادة ما.. من شأنها أن تمنحنا نحن سعادة ما. سعادتهم هي من سعادتنا. معادلة محسومة. هي تحمل شيئاً من روحنا.


المساهمون