أطفال البرد في مصر

أطفال البرد في مصر

21 ديسمبر 2016
ينتظران أياماً صعبة (إد غيليس/ Getty)
+ الخط -

مثل كلّ شتاء، تواجه مصر في الوقت الراهن انخفاضاً شديداً في درجات الحرارة، خصوصاً في فترات الليل. وهو ما يدفع الأهالي إلى البقاء في منازلهم وإشعال المدافئ والتسلح بأغطية الصوف. وإذا خرجوا ارتدوا ملابس ثقيلة.

في المقابل، تضاعف موجة البرد مأساة أطفال الشوارع في كثير من المحافظات، خصوصاً العاصمة القاهرة، التي يتواجد فيها أكثر من 75 في المائة من هؤلاء الأطفال.

يخشى أطفال الشوارع غروب الشمس وحلول الليل الطويل مع ما يحمله من برودة مضاعفة. يحاول كثير منهم الهرب بحثاً عن الدفء والاحتماء بالمساكن المهجورة، أو عربات القطارات القديمة المتروكة في ورش المخازن، أو يستندون إلى جدران المباني القديمة المتهدمة علّها تحميهم من تيارات الهواء. ومن الأطفال من يلتصقون ببعضهم البعض تحت غطاء قديم وحيد يحميهم من البرد ولا ينفع كثيراً مع سقوط الأمطار.

في المقابل، هناك من يعطف على هؤلاء الأطفال بغطاء أو بملابس ثقيلة. لكن، في الوقت عينه، يرفض بعض الأهالي تواجد الأطفال في الشوارع بذريعة الخوف من قيامهم بأيّ أعمال عدائية ضدهم، وليس خوفاً عليهم.

يشير الكثير من هؤلاء الأطفال إلى أنّ أيام فصل الشتاء بالنسبة إليهم هي أسوأ أيام العام. يؤكدون أنّهم يكرهون هذا الفصل بخلاف الصيف. فهم لا يتمكنون فيه من الحركة، خصوصاً في الليل وأثناء سقوط الأمطار. كذلك، يمنعهم ذلك من التسول في الشوارع والمواصلات العامة. ويقول بعضهم إنّ رفاقاً لهم مرضوا وماتوا بسبب برودة الطقس.

في هذا الإطار، يقول أنس الهجان (14 عاماً)، الذي يتخذ من منطقة جزيرة بدران في بداية حي شبرا في القاهرة مكاناً له مع ثلاثة متشردين آخرين، إنّه هرب من قسوة أبيه في مدينة طنطا بعد وفاة والدته وبات من أطفال الشوارع. يتابع لـ"العربي الجديد": "البعض منّا يموت في فصل الشتاء بسبب الإصابة بالإسهال ونزلات البرد ولا نجد من يعالجنا. نخاف من البرد وليس من الجوع". يضيف: "أتمنى أن أشعر مرة بالدفء. لا نجد أيّ مكان نقضي فيه الليل بعيداً عن الهواء سوى الأماكن المهجورة. هناك من يطردنا أيضاً من تلك الأماكن. أحياناً نتكوم فوق بعضنا البعض بسبب الصقيع في أرض إحدى الحدائق في الهواء الطلق".




بدوره، يقول محمد شادي (15 عاماً)، الذي يناديه أصدقاؤه باسم "زليط": "البرد يكسر أجسادنا النحيفة. أنا من أسرة مفككة ولا أعرف سوى الشارع مكاناً والتسول عملاً". يتمنى: "ماذا لو كان لي بيت أختبئ فيه من البرد مثل كلّ الفتية في سنّي!؟".

من جهته، يطالب الباحث الاجتماعي في المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية (حكومي)، الدكتور سيد إمام، الحكومة بضرورة تقديم وجبات غذائية وأغطية لهؤلاء الأطفال، خصوصاً أنّ ظروفهم صعبة جداً، بل يموت بعضهم بسبب الأمراض. يؤكد أنّ عدم فتح أبواب المستشفيات لعلاج هؤلاء، أو إيجاد ملجأ حقيقي لهم من البرد كارثة حقيقية. ويدعو الجميع إلى مساعدة أطفال الشوارع بما يعينهم على الصمود في فصل الشتاء.

يوضح إمام أنّ هؤلاء الأطفال ضحايا لا جناة، والبرد يأكل كلّ ساعة أجسادهم النحيلة. يتابع: "هم أقرب إلى الإجرام لأنّهم لا يدركون الصواب من الخطأ لحرمانهم من التربية السليمة ومن المأكل والملبس. بذلك هم يلجأون إلى السرقة وقطع الطرق". يضيف: "التصدي لهذه الكارثة يوجب العديد من الإجراءات. القضاء مسؤول عن تفاقم الظاهرة وليس فقط مواجهة آثارها. المطلوب سنّ مزيد من القوانين للأمن الاجتماعي، وتفعيل حقيقي لكلّ المنظمات الأهلية والخيرية". يشير إلى أنّ أهم سبب لظاهرة أطفال الشوارع هو البيت، سواء التفكك الأسري أو سوء الدخل، الأمر الذي يدفع هؤلاء الأطفال إلى الشارع ساخطين على المجتمع الذي أنجبهم ولا يرحمهم.

مليونان في القاهرة وحدها

تشير أحدث الإحصاءات حول ظاهرة أطفال الشوارع في مصر، والتي يصادق عليها "المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية" (حكومي) إلى أنّ هناك أكثر من مليوني طفل متشرد في شوارع العاصمة القاهرة وحدها. لا يجد هؤلاء مأوى لهم إلا جدران المباني القديمة، ما يضاعف من مأساتهم في فصل الشتاء وبرده. ويؤكد المركز، من جهته، أنّ مصر هي الأولى عربياً في عدد أطفال الشوارع.

دلالات