غزيّون تحت حكم المخاتير

غزيّون تحت حكم المخاتير

19 ديسمبر 2016
قد تُحرم المرأة من ميراثها (محمد عبد/ فرانس برس)
+ الخط -
ما زال عدد من المواطنين في قطاع غزة يؤمنون بالتعامل على أساس الأعراف في حلّ مشاكل حياتهم اليومية، بعيداً عن الأجهزة الأمنية. الحكم العشائري لدى البعض ما زال قائماً بسلبياته أكثر من إيجابياته. أبرز أركان هذا الحكم هو نظام المخاتير.

كانت غزة بين عامي 1994 و2007 قبل حكم حركة حماس، وبالرغم من وجود عدة أجهزة أمنية مجهزة ومدربة، واقعة تحت سطوة الحكم العشائري في الغالب نظراً لوجود أبناء العشائر في الأجهزة الأمنية، واشتراك هذه الأجهزة في حلّ بعض المشاكل المتعلقة بالعشيرة أو العائلة. اليوم، ضعف دور الحكم العشائري، لكنّ البعض ما زال يصرّ عليه.

يعتبر عدد من المخاتير أنّ اللجوء إلى الحكم العشائري هو لإتمام الصلح بين العائلات والحفاظ على الترابط الأسري. يقول أبو مصطفى، وهو مختار لعشيرة من أصول بدوية: "معظم أفراد المجتمع الغزاوي يعتبر أنّ حلّ الخلافات الأسرية من مسؤولية العشائر والمخاتير، لأنّ القانون قد ينشئ خلافات مستقبلية، ويعد بثأر مستقبلي". يستذكر أبو مصطفى أنّ الشرطة الفلسطينية استعانت بالمخاتير بعد عام 1994 طوال سنوات بخصوص القضايا العائلية، والخلافات الأهلية، ومعظمها قضايا كبيرة، مثل الاقتتال ومشاكل الميراث، والتقاتل بين العائلات، ومشاكل الثأر. واستمرت الشرطة بالتعاطي معهم إلى ما قبل الانقسام الفلسطيني عام 2007.

في المقابل، يعتبر البعض أنّ استمرار هذا الحكم في غزة ولو بشكل أضعف يعني غياب حقوق فئات كثيرة على حساب أخرى، بسبب إجبار أفراد العائلة على الطاعة من دون نقاش. يقول أحمد لـ"العربي الجديد": "ظلم هذا الحكم يكمن في إجبار الطرف الضعيف على التنازل عن جزء من حقوقه، وهذا ما مررت فيه". يشير إلى أنّه تنازل عن 15 في المائة من حصته في الميراث لأخيه الأكبر، بعدما جرى الضغط عليه من طرف بعض المخاتير بذريعة أنّ شقيقه هو الأخ الأكبر ويريد المحافظة على أملاك والده، وينوي فتح مشروع على الأراضي وخلق مصدر دخل لشقيقاته الفتيات. لكن، تبيّن له بعدها أنّ أخاه استغل نسبته لمصالحه الشخصية. وهكذا يصف دور المخاتير بالسلبي في قضيته. يضيف: "المخاتير يعطون الأحقية للأخ الأكبر وإن كان على خطأ. ما زال هذا الأمر قائماً في غزة، والمشكلة أنّ الشرطة توافق على الأمر".

أما مؤمن (26 عاماً) فتعرض لضرب مبرح من أبناء عمه الكبار قبل فترة، فلجأ إلى الشرطة ليحصل على حقه، لكنّه فوجئ بحضور بعض الوجهاء من مخاتير عائلات مختلفة كي يتنازل عن بلاغه للشرطة ويسامح أبناء عمه. وعندما رفض، طلب المخاتير من كلّ أفراد عائلته الكبيرة أن يقاطعوه. اضطر بذلك إلى التنازل عن حقه، كي لا يخسر عائلته. يقول لـ"العربي الجديد": "مثل هذه الأعراف تزعج الغزيين في أحيان كثيرة. تضع الشخص في زاوية لا تتيح له سوى التنازل عن حقه، ما ينتج مشاكل مستقبلية".

المرأة هي الضحية الأكبر عشائرياً، فالرجل في هذا الحكم هو الأحق بكلّ شيء. إيناس (37 عاماً) أرملة شهيد، كان لها من ميراث والدها 10 دونمات في أراضٍ وسط القطاع. لكنّ أشقاءها الذكور اتفقوا على استبدال أراضيها بأراضٍ على الحدود الشمالية مع الأراضي المحتلة معروفة بأنّها رخيصة الثمن. كلّ ذلك جرى بالاتفاق مع بعض المخاتير، وذلك بذريعة المحافظة على مال الوالد الراحل.

تقول إيناس لـ "العربي الجديد": "طبيعة كبار العائلات والعشائر ميلهم إلى الالتزام بعادات قديمة سلبية. من المفترض أن يكونوا أكثر الفئات دفاعاً عن حقوقنا كنساء، لكنّ الواقع مبني على وجوب طاعة المرأة الرجل مهما كانت الحال". عانت إيناس على مدار عام مع أشقائها بسبب رفضها استبدال الأراضي، لكن، ونتيجة ضغوط المخاتير رضخت.

توضّح الباحثة في حقوق المرأة هداية شمعون أنّ مثل هذه المشكلة على علاقة بالمأزق الثقافي لبنية المجتمع العربي بشكل عام، نظراً لاستمرار السيطرة القبلية فيه وعدم جدوى اللجوء إلى القانون. تتابع لـ"العربي الجديد": "هناك فجوة كبيرة ما بين الشق القانوني ولجوء الناس إلى المخاتير كمنظومة عدالة غير رسمية. يضطر المواطن إلى ذلك خصوصاً عندما يكون الحكم العشائري أكثر انتشاراً وتأثيراً".

تشير شمعون إلى أنّ ذلك يخالف غالباً الحقوق الأصلية، خصوصاً للنساء. من ذلك، إغلاق بعض المخاتير قضايا القتل على خلفية "الشرف" كي لا تفتضح العائلة، وهو ما تؤكد أنّ فيه أشدّ ظلم للقتيلة. وكذلك الأمر بالنسبة لاعتماد نظام الترضية للمرأة في الميراث، ومنع ميراثها الأصلي عنها لصالح أشقائها الذكور.

من جهته، يعتبر الباحث الاجتماعي أنور الأسطل أنّ هناك دوائر في الشرطة خاصة بضحايا العنف، لكن لا إجراءات تنفّذ، خصوصاً أنّ ذلك يحمل نظرة العيب. وبالتالي، يجب اللجوء إلى الأهل في قضايا النساء. يقول لـ"العربي الجديد": "المأزق السياسي كبير والبيئة القانونية غير مهيأة ولا يمكن إصلاح القانون في تركيبته الحالية في ظلّ كلّ هذه الأخطاء".