مسلمون في كنيسة عنابة

مسلمون في كنيسة عنابة

01 ديسمبر 2016
صورة تذكارية بعد زيارة الكنيسة (إسماعيل مكي)
+ الخط -
يجد الجزائريّون حرجاً في اللجوء إلى مراكز الشيخوخة التابعة للحكومة، أو طلب المساعدة من محسنين. فكيف إذاً باللجوء إلى كنيسة كما هو الحال في كنيسة عنابة؟

حين غادرت فرنسا الجزائر في عام 1962، تركت وراءها عشرات الكنائس التي كانت تقدّم الخدمات للمسيحيّين الأوروبيّين، الذين كانوا يمثّلون 12 في المائة من إجمالي عدد السكان. ولم يبق منها إلا القليل، أشهرها كنيسة السيدة الأفريقية في الجزائر العاصمة، وكنيسة القديس سانت أوغستين في مدينة عنابة، فيما حُوّلت البقية إما إلى مساجد، وإما إلى مرافق ثقافية وفنية، أو أزيلت تماماً.

على عكس الكنيسة الإنجيلية، لا تعمل كنيسة عنابة الكاثوليكية، الخاضعة لسلطة الفاتيكان، على التبشير، وتكتفي بتقديم خدمات روحية للمسيحيين الأوروبيين المقيمين في عنابة ومنطقة الشرق. اجتماعيّاً، تركّز على مساعدة الفقراء من المسلمين، خصوصاً المسنين، الذين ليس لديهم أي مأوى أو رعاية. ويعدّ المكان المخصّص لهم في القسم الشرقي رحباً.

رفض راهب يعمل في الكنيسة، بالإضافة إلى الجزائريّين الذين تؤويهم كنيسته، كشف أسمائهم، في ظل ما يشاع عن استهداف المكان من الجماعات الإرهابية. يقدّر عدد المسنين بنحو 220. هؤلاء يقيمون في الكنيسة ويحصلون على الرعاية. وينفي الراهب أن يكون هناك خلفيات تبشيرية للخدمات الإنسانية. يقول لـ "العربي الجديد": "لو كان هدفنا تبشيرياً، لتوجهنا إلى
الشباب وليس المسنين".



الراهب الذي كان محاطاً بعدد من السياح القادمين من مدينة سوق أهراس، التي يتحدر منها القديس سانت أوغستين (354 ـ 430)، وتحمل الكنيسة اسمه، يوضح لـ "العربي الجديد" أنه يعتبر المسلمين الجزائريين إخوة، ويثمّن محبّتهم للكنيسة وحرصهم على أمنها. يضيف: "نحن هنا لنعيش جنباً إلى جنب وليس لنتنافس. من واجبنا الأخلاقي مد يد العون إلى المعوزين لأننا لا ننسى فضل القديس سانت أوغستين على المسيحية، ونعتبره ثاني أهم آباء الكنيسة بعد القديس بطرس". يشار إلى أن بعض السياح الجزائريّين دهشوا حين عرفوا بوجود دار للمسنين تحت إشراف الكنيسة.

في هذا السياق، تقول نعيمة، التي حضرت إلى المكان برفقة أسرتها: "أعرف أن للكنائس في العالم نزوعاً نحو تقديم خدمات إنسانية للناس بغض النظر عن ديانتهم، لكنني لم أتوقع أن يقبل جزائريون هذه الخدمات، نظراً إلى حساسيتهم حيال الأديان الأخرى". ويقول الشاب منير ك. (26 عاماً): "لا يمكن عدم شكر الكنيسة. وفي الوقت نفسه، لا يمكنني عدم لوم أهالي هؤلاء المسنين والمعوزين. لا أتصور أنني أسمح لنفسي بقبول أن يلجأ أبي إلى كنيسة ليأكل وينام، حتى وإن كان معفى من تغيير دينه".



في العادة، لا يُسمح لزوار الكنيسة بالاحتكاك بالمسنين الذين تشملهم رعايتها، تجنّباً للحرج. كذلك، لا يبدي المسنون رغبة في التعرف أو الاختلاط، ونادراً ما يُلاحظ أحد وجودهم في أوقات الزيارة، التي تبدأ من الساعة التاسعة صباحاً وحتى الحادية عشرة والنصف، لتستأنف بعد الظهر.

وتُشرف نساء مسلمات وراهبات مسيحيات على خدمة النزلاء، الأمر الذي يلغي الإحساس بأية فوارق دينية. فهدف هؤلاء الوحيد هو مساعدة المسنّين، وتقديم الأفضل لهم. في هذا الإطار، تسأل إحدى الراهبات: "هل كان العالم ليشهد كل هذه الحروب والعداوات والمجاعات لو كان سكانه يحتكمون إلى إنسانيتهم المتأصلة فيهم، لا إلى المذاهب التي اكتسبوها بطرق غير سليمة؟". وتوضح أن الأديان لا تبرّر الأحقاد والدماء والحروب.

ويردّد المسنّون الذين يعيشون في المأوى عبارة "ما جابنيش الخير"، أي أنّهم لم يتركوا جنّة وراءهم قبل المجيء إلى هنا. تختلف أسباب قدومهم إلى هنا، إذ لم يكن سهلاً بالنسبة إليهم طلب الرعاية في كنيسة. لكن في الوقت الحالي، يجمعون على تغير نظرتهم حيال المسيحيين. الخالة أم الخير هي إحدى هؤلاء. تقول لـ "العربي الجديد": "في البداية، كنت أظن أنني سأمنع من أداء الصلاة. لهذا السبب، رفضت اللجوء إلى هنا لمدة أربع سنوات، وعشت في الشوارع. كنت مستعدّة لأن أموت جوعاً إذا ما كان البديل تغيير ديني. لكن بعدما جئت إلى هنا، اكتشفت أنني أخطأت في حكمي المسبق. لقد سمحوا لي بأن أبقى مسلمة. أكثر من ذلك، قدموا لي كل ما قد أحتاجه".