تونسيّون يقبلون على التبنّي

تونسيّون يقبلون على التبنّي

04 نوفمبر 2016
هل يمكن التمييز بينهما؟ (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -

مذ صدر قانون التبنّي في الرابع من مارس/ آذار من عام 1958، أصبح في إمكان التونسيين المحرومين من الإنجاب تبنّي الأطفال أو كفالتهم، ومن ضمن هؤلاء بعض المهددين في استقرارهم الأسري والاجتماعي. فأصبحت تونس أوّل دولة عربية تشرّع التبنّي وتنصّ قانوناً ينظّم المسألة على الرغم من أنّ ذلك يتعارض وأحكام الشريعة الإسلامية. لكنّ المشرّع التونسي أوضح أنّه أوجد ذلك لحماية مصلحة الطفل.

ينصّ الفصل التاسع من القانون على أن "يكون المتبنّي شخصاً رشيداً ذكراً أو أنثى متزوجاً متمتعاً بحقوقه المدنية، ذا أخلاق حميدة وسليم العقل والجسم وقادراً على القيام بشؤون المتبنّي". ويمكن للحاكم إعفاء طالب التبنّي الذي فقد زوجه بالموت أو بالطلاق، من شرط الزواج من جديد، إذا اقتضت مصلحة الطفل ذلك. أمّا في الفصل العاشر، فنقرأ: "ينبغي أن يكون الفرق بين عمر المتبنّي وعمر المتبنّى 15 عاماً على الأقل، إلا في الصورة التي يكون فيها المتبنّى ابن زوج المتبنّي". يُذكر أنّ عقد التبنّي ينظم وفقاً للقانون عن طريق قاضي المنطقة، بناءً على حكم يصدره في مكتبه بحضور المتبنّي وزوجته أو عند الاقتضاء بحضور والدة المتبنّى أو من يمثّل السلطة الإدارية المتعهدة بالولاية العمومية على الطفل أو الكفيل. ويصدر القاضي حكمه بالتبنّي بعد التحقّق من توفّر الشروط القانونية ومن مصادقة الحاضرين.

في الفصل الرابع من القانون نفسه، تحدّد الشروط الشكلية للكفالة وهي أن "يبرم عقد الكفالة لدى عدلين بين الكفيل من جهة وبين أبوَي المكفول أو أحدهما، أو عند الاقتضاء الوليّ العمومي أو من يمثله من جهة أخرى. ويصادق قاضي الناحية على عقد الكفالة". يُذكر أنّ الكفالة لا تمثّل إلا نظام رعاية أدبية ومادية لفائدة الطفل. وإذ يؤثّر التبنّي على النسب عبر إحداث نسب اعتباري هو النسب بالتبنّي، ينصّ الفصل 14 من القانون على أن "يحمل المتبنّى لقب المتبنّي ويجوز أن يبدّل اسمه، وينصّ على ذلك بحكم التبنّي بطلب من المتبنّي".

في هذا الإطار، يوضح مندوب حماية الطفولة مهيار حمادي أنّ "التبنّي لا يحصل بمجرّد تقديم طلب إلى المندوبية، بل يصار إلى التدقيق والتقصي حول العائلة الراغبة في التبنّي تفادياً للمشاكل ولأيّ تبعات سلبية قد تحصل للطفل"، مشيراً إلى أنّ لجنة التبنّي والكفالة رفضت أكثر من 370 ملفاً في عام 2014. يضيف أنّ "تقصي المندوبية حول العائلة لا يقتصر على الفترة التي تسبق عملية التبنّي، بل تتواصل مراقبة هؤلاء الأطفال عبر مصالح رعاية الطفولة للتثبّت من عدم استغلالهم في التسوّل أو تعرّضهم لسوء معاملة".




ويشدّد حمادي على أنّه "لا يمكن الجزم بعدم تعرّض الطفل لسوء معاملة أو لمشاكل، خصوصاً لدى العائلات التي يحصل فيها طلاق، أو عندما يكتشف أنّه ابن بالتبنّي، أو في حال الصراع بين الورثة حول مسألة الميراث. وذلك على الرغم من أنّ قانون التبنّي ينصّ في الفصل 15 منه على أنّ "للمتبنّى نفس الحقوق التي للابن الشرعي، وعليه ما عليه من الواجبات. وللمتبنّي إزاء المتبنّى نفس الحقوق التي يقرّها القانون للأبوين الشرعيّين، وعليه ما يفرضه من الواجبات عليهما".

من جهتها، تشير مصالح رعاية الطفولة إلى ارتفاع في عدد الملفات المعروضة على لجنة التبنّي. ويقول المسؤول عن المعهد الوطني لرعاية الطفولة التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية، أحمد بن حمدة، إنّ "عدد الأطفال في المعهد بلغ 179 طفلاً في عام 2015، من بينهم 112 ذكراً و67 أنثى. أمّا الأطفال المودعون في وحدات العيش التابعة للجمعيات والمتعاقدة مع المعهد، فبلغ عددهم 119 طفلاً". ويلفت إلى أنّ ثمّة "14 مركزاً لرعاية الطفولة موزّعا على 12 محافظة".

إلى ذلك، وعلى الرغم من أنّ القانون أعطى أحقيّة تسجيل الطفل باسم المتبنّي، غير أنّ البعض يرغب في تبنّي طفل من دون تغيير لقبه أو منحه لقب المتبنّي، إذ يرى في الأمر مخالفة للشرع أو أنّ ذلك قد يسبّب مشاكل أخرى مستقبلاً. خالد أصيل على سبيل المثال، يحاول منذ عام 2009 التبنّي، وقد تقدّم بأكثر من طلب بعدما يئس وزوجته من قدرتهما على الإنجاب. لكنّه يتراجع في كلّ مرة عن القرار بعد خلاف مع زوجته التي ترغب في تسجيل الطفل باسمهما، إذ إنّ ذلك "مخالف للشرع" بالنسبة إليه.

من جهتها، تبنّت كريمة فاضل طفلة قبل نحو 20 عاماً. تقول إنّها أعلمت ابنتها بالحقيقة مذ كانت طفلة، "مخافة أن تتعرّض لصدمة عند الكبر". وتخبر أنّ بعد التبنّي، أنجبت طفلاً بعد 12 عاماً من الزواج، لكنّها لم تتخلّ عن تربية صغيرتها ورعايتها. وتشير فاضل إلى أنّه "على الرغم من منح المشرّع التونسي الحقّ في التبنّي، إلا أنّ الأخير يواجه عادة انتقادات في المجتمع، من قبيل أنّه تبنّى طفلاً ولد خارج إطار زواج، أي طفلاً ابن حرام". تضيف أنّ "الطفل المتبنّى وإذا علم من حوله بالحقيقة، غالباً ما يعاني من مضايقات وحرج كبير. وهذا أمر مؤسف".

دلالات