لماذا وكيف ظهر داعش؟

لماذا وكيف ظهر داعش؟

30 نوفمبر 2016
الحكومات العراقية أكثر فساداً من الأميركية (محمد جليل/Getty)
+ الخط -
الحديث عن العراق لا ينتهي. فعادة ما تشهد الحروب بروز ما يسمى الاقتصاد الموازي... وهو اقتصاد طفيلي قوام مصادره استغلال المواقع الوظيفية مدنية وعسكرية ومليشياوية وتجارة الصفقات والمواد والسلع المهربة وعمليات السرقة والاحتكارات والخوات وغيرها من أشكال لا تظهر صراحة للعيان في الاقتصادات الطبيعية.

خلال الحروب الداخلية وجرّاء تفكك الدولة يبتلع الاقتصاد الموازي الاقتصاد الشرعي بما فيه تلك التي يديرها القطاع العام وينهي مقومات دوره، وينشئ مرافق يديرها بنفسه ويفرض الأسعار التي يشاء. وبذلك تتحول خدمات قطاعات ومرافق الماء والكهرباء والصحة والتعليم وكل ما يخطر على بال الى أبواب مشرعة على النهب عندما تسرق موازناتها وتجهيزاتها وما تنفقه ويتوجب وصوله الى المحتاجين ممن لا يستطيعون الحصول عليه من السوق السوداء أو بالأسعار الرائجة.

لكن صورة العراق أشد مأساوية من مجرد حياة من الكفاف هي أقرب ما تكون الى التجويع المنظم.

رغم أن الحروب تركت بصماتها على كل مقومات الحياة إلا أن التركيبة السياسية التي كرسها الاحتلال الأميركي والصيغة التي جرى ابتداعها جعلت من الفساد والنهب في حرز حريز لا تطاوله إمكانية الإصلاح. وقد تجاوز حجم الفساد كل إمكانيات الضبط حتى على الإدارة الاميركية التي كانت تمسك بأيدي جنودها القرار والقوة العسكرية. المفتش العام الأميركي المسؤول عن برنامج إعادة الإعمار ستيورات باوين جينيور تحدث عن فشل أميركي في العملية التي أطلقتها إدارته تحت عنوان إعادة الإعمار ما أدى إلى هدر 60 مليار دولار بفعل الفساد وسوء الإدارة "إذ إن أميركا لا تملك السياسات ولا القدرات التقنية ولا الهيكلية التنظيمة للقيام بهذه المهمة".

والحكومات العراقية أكثر فساداً من الأميركية. فالتعهدات تذهب النسبة الكبرى منها إلى جيوب المسؤولين السياسيين، وتتبارى الشركات الأجنبية في رفع النسبة كلما كانت الأرباح المقدرة أعلى. وعليه يعتبر العراق واحداً من الدول الأكثر فساداً في الكرة الأرضية، لا يتقدمه سوى دولتين في أفريقيا وأميركا الوسطى. سرقة المال العام تشمل معظم المسؤولين إن لم يكن جميعهم من الذين تناوبوا على السلطة. دول إقليمية ودولية وقوى محلية تتدخل لتبرئتهم وتغطية السمسرات التي حصلوا عليها من شركات السلاح وعقود النفط والإنشاءات وغيرها من مرافق ظلت على الاغلب كما كانت عليه رغم إنفاق مليارات الدولارات.

الحصيلة مجتمع تم تفكيكه على نحو كلي، ومؤسسات تعيش خراباً مقيماً وموازنات منهوبة وأموال تتكدس في بنوك بيروت وعمان ولندن ونيويورك وغيرها، وإفقار مضاعف يعانيه الناس... وبعد ذلك يسألونك عن أسباب ظهور وتغول "داعش" وانتشاره السرطاني؟!

*أستاذ جامعي


المساهمون