الأسعار والمنح وكرة القدم حديث متقاعدي الجزائر

الأسعار والمنح وكرة القدم حديث متقاعدي الجزائر

28 نوفمبر 2016
متقاعدون يتسامرون في الجزائر (Getty)
+ الخط -
اعتاد نور الدين ساحلي (62 سنة)، شرب القهوة الصباحية في مقهى "صالومبي" الذي يحمل اسم منطقة بالمدينة القديمة بأعالي العاصمة الجزائرية؛ المقهى يقبع في زاوية الشارع الرئيسي بالمنطقة، وبات مزارا للمتقاعدين، فضاء يعج بالزبائن وإلى جانبه محل يبيع الصحف.

كثير من رواد المقهى وجدوا ضالتهم في الصحف اليومية، خصوصا الصحف الرياضية، التي باتت أول مصدر لتقصي أخبار الفرق التي يشجعونها، بينما يهتم البعض بأخبار السياسة وأوضاع البلاد.

في المقهى، لا حديث لهؤلاء سوى أخبار فريق كرة القدم العريق الذي يشجعه أغلب سكان المنطقة "شباب بلوزداد"، بينما البعض يتابع أخبار أعرق الأندية الجزائرية في الكرة مثل "مولودية الجزائر"، ويتابع آخرون فريق "اتحاد العاصمة"، غريم المولودية.

حكايات المتقاعدين تلخصها يومياتهم، "الوقت كثير واللي اشتغل، اشتغل بكري"، يقول العم نور الدين لـ"العربي الجديد"، باللهجة الجزائرية، ويرد صديقه العم رابح صاري، قائلا إن الوقت الحالي هو وقت الراحة، بعد أن عمل أكثر من 32 سنة في الميناء، سنوات مضنية ومتعبة لكنها أجمل السنوات.

أصبحت إحدى زوايا المقهى مزارا للمتقاعدين، بل ملتقى يومياً يرمون فيه ذكريات الماضي القريب والبعيد، يقول "الحاج" (71 سنة)، لـ"العربي الجديد": "كم هو جميل أن نحتفظ بذكرياتنا ونعيد سردها بيننا".

حمل الرجل لقب "الحاج" منذ زار البيت الحرام، والتصق به الاسم بعدما تعثرت جهوده لأداء فريضة الحج ست مرات، ليرى الفرج العام الماضي، يروي لأصدقائه كيف بلغه خبر ظهور اسمه في الحاصلين على تأشيرة الحج بعد نحو 12 عاما من تقاعده عن العمل في السكك الحديدية، وهو يرى أن عمله السابق رحلة لم تتوقف، "العمل في مديرية السكك الحديدية متعة يومية رغم متاعبها ورغم الإضرابات التي تشهدها من حين لآخر، لكنها كانت مهمة يومية، وتجدد النفس لاستقبال يوم جديد".

يبدو من حديث الحاج أنه يحن إلى سنوات العمل، لم يرد سلبا على السؤال إلا أنه قال "العمل كرامة وشرف"، لكن في النهاية "فاتنا القطار؛ السن يلعب دورا في بقاءنا في عمل أو تركنا له بقانون السن".


في حديقة ساحة "أول مايو" بقلب العاصمة الجزائرية، وبالقرب من مستشفى مصطفى باشا الجامعي، تجلس مجموعة من الرجال شاغلهم الوحيد ارتفاع الأسعار، وما نشرته الصحف اليومية من أخبار بخصوص الزيادات المرتقبة في أسعار المواد الاستهلاكية السنة المقبلة، قال سيد علي بن عودة لـ"العربي الجديد": "جيب المواطن هو الأهم، والأهم منه أن تستطيع الخروج في الصباح متوجها نحو السوق للقيام بالتسوق وشراء حاجيات البيت"، مضيفا أن غلاء المعيشة أصبح حديث العام والخاص، "نحن المتقاعدون حديثنا ينصب على الأسعار وكرة القدم وأخبار منحة التقاعد أو الزيادات في المنح".


بعيدا عن المقهى والسوق، يحن العديد من المتقاعدين إلى زمن العمل، فمنهم من يواصل العمل بعد التقاعد، وهي حالة الطاهر تباني (65 سنة)، وهو أحد عمال المطار سابقا. بعد التقاعد تحول إلى الدروس الخصوصية في مادة الرياضيات، معتبرا في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن العمل يعطيه قوة يوميا في ممارسة مهنة يحبها، وهي تدريس الرياضيات، فهو خريج جامعة التكنولوجيا بباب الزوار، وهوسه العلوم التقنية والرياضيات.

كثير من المتقاعدين توجهوا إلى مجال الزراعة، فالأرض أنستهم تعب السنين، يقول العم رابح (67 سنة)، إنه يجد راحته في تقليب الأرض وانتظار نضج العنب، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أنه قضى 37 سنة من حياته في العمل في قطاع الصحة ومتابعة حالات المرضى بالمستشفيات التي اشتغل فيها كممرض، أما اليوم فالزراعة مجال يريح أعصابه.

على الأرض، كثير من المتقاعدين يفقدون اليوم حيويتهم المهنية، حسب ما يقول المتخصص في علم الاجتماع، السعيد محمودي، لـ"العربي الجديد"، "هؤلاء تجدهم منزوين في مقاه أو في الحدائق والفضاءات المفتوحة في الأحياء بسبب فقدانهم لامتيازات اجتماعية ومادية مرتبطة بمناصبهم، بالتزامن مع انخفاض مداخيلهم بسبب إلغاء منح كانت ترتبط بمزاولة العمل".

دلالات