تشيرنوبل بغطاء عازل جديد

تشيرنوبل بغطاء عازل جديد

26 نوفمبر 2016
أطلق على الغطاء اسم "أركا" (جينيا سافيلوف/ فرانس برس)
+ الخط -
دخلت أعمال عزل محطة تشيرنوبل النووية المنكوبة في أوكرانيا بغطاء جديد، مرحلتها النهائية. وذلك لمنع تسرب المواد المشعة من الوحدة الرابعة للمحطة التي شهدت قبل 30 عاماً أكبر كارثة نووية عرفتها البشرية.

ومن المنتظر أن يعزل الغطاء الخرساني الجديد الذي أطلق عليه اسم "أركا"، أي القوس، بسبب شكله، الوحدة الرابعة كاملة قبل نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. وفي الوقت الحالي أغلقت المحطة أمام الزائرين والصحافيين بطلب من المؤسسة الفرنسية "نوفاركا" المصنّعة للغطاء.

يتألف الغطاء الجديد من 10500 متر مكعب من الخرسانة و1500 طن من الحديد، فيما يزيد وزنه على 30 ألف طن. وهو بذلك يعتبر أكبر هيكل متحرك في التاريخ.
وسيحلّ الغطاء الجديد محل الغطاء العازل القديم الذي أنشئ بشكل عاجل خلال 206 أيام فقط وفي ظروف إشعاعية طارئة بعد وقوع الكارثة في أبريل/ نيسان 1986، وشارك في هذه الأعمال نحو 90 ألف شخص جنبوا القارة العجوز والعالم كارثة بيئية أكبر. وجرى تشغيل الغطاء القديم في نوفمبر/ تشرين الثاني 1986 وكان عمره الافتراضي ثلاثة عقود. وبحسب تقديرات العلماء، فإن 95 في المائة من المواد المشعة في المفاعل ما زالت تحت الغطاء.

يشير مدير معهد قضايا التطوير الآمن للطاقة النووية التابع لأكاديمية العلوم الروسية ليونيد بولشوف إلى أنّ الغطاء القديم أنشئ في ظروف إشعاعية بالغة الصعوبة، ولذلك كان منذ البداية، يُنظر في إمكانية بناء غطاء عازل جديد لاحقاً. يقول بولشوف لـ"العربي الجديد": "كانت الحقول الإشعاعية قوية جداً، ويجري التحكم في الأعمال عن بعد، ونتيجة لذلك كانت هناك ثغرات في الهيكل ازدادت بمرور الزمن".

وحول تداعيات وجود هذه الثغرات، يضيف: "ازداد خطر التسرب الإشعاعي مع سيول الأمطار إلى المياه الجوفية. وكذلك ازداد خطر انبعاث التراب المشع وتلوث ساحة المحطة في حال انهيار الغطاء. ولذلك، باتت هناك ضرورة لبناء غطاء جديد".

يوضح أنه كان يجري النظر في احتمال بناء غطاء جديد لاحقاً واستكمال الأعمال خلال 10 أو 15 سنة بعد الكارثة، لكن بعد تفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، قررت أوكرانيا المستقلة الاستعانة بالمجتمع الدولي، واستغرقت الأعمال التمهيدية والمناقشات حول كيفية بنائه وتمويله وقتاً طويلاً. يتابع: "اتخذ في نهاية المطاف قرار بناء غطاء عازل جديد وفقاً لتصميم فرنسي وتحت إدارة أميركية وبمشاركة جميع الدول التي ساهمت في صندوق تشيرنوبل، بما فيها روسيا". ويشير الخبير النووي الروسي إلى أنّ الأعمال التمهيدية لبناء الغطاء الجديد شملت تقوية هيكل الغطاء القديم، وتولت شركة "آتوم ستروي إكسبورت" الروسية هذه الأعمال الصعبة.

وانطلقت الأعمال النشيطة لتحقيق مشروع الغطاء الجديد عام 2004 بعد تعهد البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية بتمويله، وانضمام أكثر من 40 بلداً مانحاً إليه. وبالرغم من أنّ كلفة المشروع قدرت أولاً بـ980 مليون يورو، إلاّ أنّها ازدادت في السنوات التالية بأكثر من نصف مليار يورو إضافية، لتبلغ الكلفة النهائية 1.63 مليار يورو.



أما الأعمال على الأرض، فقد بدأت عام 2012، وكانت تنفذ على بعد 200 متر تقريباً من الوحدة الرابعة المنكوبة. ومن أجل ضمان سلامة العاملين، أزيل أربعة أمتار من التربة الملوثة بالمواد المشعة في ساحة البناء، ثم جرى ملء الحفرة بالخرسانة، لتصبح قاعدة لأعمال البناء.

وعلى عكس الغطاء القديم، سيكون الغطاء الجديد عازلاً تماماً، وسيمنع التسرب الإشعاعي لمدة قرن كامل، كما ستتيح بنيته تفكيك الغطاء القديم مستقبلاً وإخراج المواد المشعة التي يحتوي عليها. ومن المقرر أن تفكك أوكرانيا، بعد استكمال المشروع، الغطاء القديم وتتلف المواد المشعة في حلول عام 2023، أي بعد نحو سبع سنوات. وهي مهمة تتطلب تعاوناً وتمويلاً دولياً نظراً إلى استحالة تحقيق ذلك عبر أوكرانيا وحدها.

ذاع صيت محطة تشيرنوبل عالمياً، بعد الكارثة التي وقعت أثناء اختبار ليلة 26 أبريل/ نيسان 1986، إذ أدى ارتفاع عرضي للقوة بمفاعل الوحدة الرابعة من المحطة إلى انفجار وتدمير المفاعل بالكامل، واندلاع حريق ضخم أسفر عن تكوين سحابة إشعاعية.

وتعتبر حادثة تشيرنوبل أكبر كارثة نووية وتكنولوجية شهدها العالم، إذ أسفرت عن انبعاث 190 طناً من المواد المشعة. على إثرها جرى تهجير أكثر من 100 ألف شخص من المدن والبلدات المحيطة، كما أدت إلى عواقب بيئية وخيمة في روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا.
ونظراً إلى تلوث المنطقة المحيطة بالمحطة بالنظائر المشعة، فرضت السلطات السوفياتية "منطقة محظورة" امتدت 30 كيلومترا حول المحطة في أوكرانيا وبيلاروسيا نظراً لوقوعها على الحدود بين الجمهوريتين السوفياتيتين السابقتين. وبالرغم من أنّ المنطقة ما زالت "محظورة" حتى الآن، إلا أن ذلك لم يمنع مئات من سكانها من العودة إليها في السنوات اللاحقة، كما باتت مقصداً للباحثين عن المغامرات.