حكايا العراق الحزين

حكايا العراق الحزين

23 نوفمبر 2016
العراق العظيم أكوام ركام (حيدر محمد/ فرانس برس)
+ الخط -
نبدأ من العراق. يقال إنّ الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور بعدما بلغه أنّ من صاغ كتاب الأمان لقائد جيوش العباسيين ومنافسه على الخلافة عمه عبد الله العباسي، الذي أبى بيعته، هو الأديب عبد الله بن المقفع، استشاط غضباً وأمر أن يُقتل الأخير شر قتلة. جرى تنفيذ أمره بأن كسرت يدا ابن المقفع ورجلاه وعنقه ثم وضع في فرن مشتعل. قضى ابن المقفع حتفه بين الكسور وألسنة اللهيب، لكنّ مؤلفاته ما زالت تطبع حتى اليوم.

الحزن العراقي لم يبدأ مع خسارة هذا العبقري ابن المقفع بدليل ما تركه من أعمال، أو مع بخل المنصور "أبي الدوانيق" باني بغداد العظيمة. اليوم تبدو تلك البلاد وكأنّها محكومة بالحزن المعتق. من الصعب الوقوف على أرقام محددة لجموع الضحايا الذين سالت دماؤهم في الشوارع والميادين في غضون عقد ونصف العقد. كلّ ما يرد اليوم من أرقام يجري تجاوزه في الغد. وهكذا؛ نزف لا يتوقف عن الانهمار، فحتى المؤسسات الدولية توقفت عن العد.

فقط، نشير إلى ما يتردد عن كلفة الإعمار باعتباره دليلاً على الرحلة الصاروخية التي يطلقها الخراب المتوسع حدوداً ومناحي وقطاعات ومؤسسات ومصادر تواصل واتصال وعيشاً ومنازل كان يقيم فيها الناس. نائب رئيس البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حافظ غانم قدر كلفة إعادة إعمار العراق الآن بـ350 مليار دولار بعدما ارتفعت الأرقام تباعاً. هناك تفاصيل كثيرة تتحدث عن كلفة العملية لهذه المدينة أو تلك وهذا القطاع أو ذاك... لكنّ هذا كان قبل معركة الموصل وما يجاورها في محافظة نينوى العظيمة. المقصود القول إنّ الأرقام الفلكية هنا مرشحة للتصاعد ولا تستقر على حال بتاتاً.

لكنّ العراق لا يحتاج فقط إلى الأموال لإعمار البنية التحتية بما هي مدارس ومستشفيات وجسور وسدود ومحطات للمياه والطاقة الكهربائية، وقطاعات صناعة وزراعة وتجارة فقط، بل كذلك إلى إعمار ما يسمى بالبنية الفوقية بما هي القوانين والأنظمة والتشريعات وما يرتبط بها من نصوص تنظم حياة الناس من مختلف شرائحهم وعلاقاتهم وأنشطتهم مع تحديد أدوار ومهام المؤسسات الرسمية، من أجل جعل البلد قابلاً للعيش.

ما لا ترصده التقارير ودراسات البنوك الإقليمية والدولية والتحاليل الاقتصادية يظل هو الأكثر تأثيراً بما هو وحدة المجتمع العراقي وتداخل مكوناته وتفاعلها، وهو ما لا ترسخه الحلول العسكرية، التي وإن كانت تستهدف تنظيم "داعش" إلا أنها تعالج الأعراض للأمراض التي يعاني منها العراق، والتي يبدو أنّها مزمنة في مختلف الأحوال.

(أستاذ جامعي)

المساهمون