موت مؤجّل.. شرق حلب بلا مستشفيات

موت مؤجّل.. شرق حلب بلا مستشفيات

جلال بكور

avata
جلال بكور
21 نوفمبر 2016
+ الخط -
وضع مأساوي تعيشه المنطقة الشرقية في مدينة حلب، في ظل حصار تام تفرضه قوات النظام السوري منذ نحو 90 يوماً. ويزداد الوضع سوءاً مع استمرار القصف الجوي الروسي على المنطقة بصواريخ فراغية وارتجاجية وقنابل عنقودية وأخرى تحوي مواد سامة.

وعلى مدى خمسة أيام من القصف الجوي والصاروخي المتواصل، سقط 290 قتيلاً على الأقل، بالإضافة إلى 950 جريحاً من المدنيين، بينهم أطفال ونساء، عدا عن تدمير أربعة مستشفيات ومركز للدفاع المدني. هذه المستشفيات توقّفت عن العمل بصورة تامة، رغم أن القصف مستمر، ما يعني سقوط المزيد من الجرحى يومياً، الذين يحتاجون إلى إسعافات أوليّة. ومع توقّف المستشفيات الميدانية عن العمل، واستمرار القصف والحصار، يواجه مئات الجرحى مصيراً مجهولاً، علماً أن العديد منهم جراحهم خطيرة، عدا عن حالات بتر الأطراف وتهشّم العظام وغيرها.

ويصعب الحديث عن الكوارث المتلاحقة بحق السكان في حلب. في هذا السياق، يقول متحدّث باسم الدفاع المدني السوري، إبراهيم أبو الليث، إنه "لا يمكن وصف الوضع في حلب. فإن تعرّض أحد لجروح بليغة، قد يموت على الفور". يضيف أن "الطيران الروسي استهدف كل المستشفيات في حلب الشرقية"، لافتاً إلى "أنّنا نسعف الجرحى والمصابين إلى أماكن لا تعدّ آمنة". يتابع: "نبقي الجرحى في أقبية المباني، وهي غير مهيأة طبيّاً بالشكل اللازم".
ويلفت مسؤول في فرق الإنقاذ المحلية، التي تعمل على إنقاذ ما يُمكن إنقاذه في ظل إمكانيات محدودة جداً، إلى إجراء عملية لجريح في أحد المباني المتّخذة كنقطة طبية، من دون وجود سرير ومن دون تخديره. يضيف: "وُضِع المصاب على الأرض وأحشاؤه ظاهرة، وإلى جانبه عشرات المصابين الذين ينتظرون دورهم".

وبحسب مصادر طبيّة، تعاني المنطقة المحاصرة من "نقص شديد في مواد الإسعافات الأولية وأدوات الجراحة، وتتم عمليات الإسعاف الأولية في ظل إمكانيّات محدودة. أما بالنسبة للمصابين بجراح بليغة، فيحاول الكادر الطبي جاهداً مساعدتهم. بعدها ينتظرون أقدارهم".

إلى ذلك، يروي أحد السكان المحليّين، أبو محمد الحلبي، لـ "العربي الجديد"، بعض ما رآه خلال الأيام القليلة الماضية، لافتاً إلى أن بعض النقاط الطبية في المنطقة تحوّلت إلى "أماكن أشبه بمسالخ بيع اللحوم، نتيجة كثرة المصابين والدماء". يضيف أن الجميع هنا يعملون على مساعدة الدفاع المدني في انتشال الضحايا وإسعاف المصابين. وكثيراً ما يسمع صوت أنين من تحت الأنقاض، في وقت ينتظر أحد أقارب المصاب فوق الركام. وفي النقاط الطبيّة، يصير الأنين صراخاً. ويوضح أنّ "القصف الهمجي لم يهدأ خلال الأيام الماضية. وكلّما غفت العيون بضع دقائق، استيقظت على صوت انفجار. بعدها، "نهرع لتفقد مكان القصف".

نقطة طبيّة

يعتمد الدفاع المدني والمسعفون، في الوقت الحالي، على ما يُسمى النقطة الطبية، وهي عبارة عن منزل مهجور لم يتعرض للدمار بفعل القصف، وقد وُضع فيه سرير واحد أو وسادة على الأرض، بالإضافة إلى معدات لإجراء الإسعافات الأولية. وتقول مصادر طبية إنه يتوفر لدى المسعفين بعض القطن الطبي العادي وخيطان تقطيب الجروح الطفيفة ومواد التعقيم والقليل غيرها. ويعمد عناصر الدفاع المدني والمدنيون إلى تبديل النقطة الطبية بين الحين والآخر، خشية استهدافها.

وتشير المصادر الطبية إلى أنّ عناصر الدفاع المدني والمراكز الطبية يعانون في إسعاف الجرحى، حيث تستهدف مدفعية النظام السوري الطرقات في المنطقة الشرقية بشكل كثيف، تزامناً مع كل غارة جوية، ما يؤدي إلى إصابة سيارات الإسعاف بشكل مباشر، وتدمير عدد منها، وإصابة عناصر فرق الإسعاف.



ويقول سكان محليّون إن الكوادر الطبية أصبحت قليلة جداً، وهي في خطر نتيجة الاستهداف الدائم للفرق الطبية، التي باتت تعتمد على إخفاء النقطة الطبية تفادياً لأن يرسل المخبرون في المنطقة إحداثيات للنظام، فيقصفها. في هذا السياق، يوضح أحد المسعفين في حلب، ويُدعى سعيد حلاق، لـ "العربي الجديد"، أن "التعامل مع الإصابات والجرحى صعب"، لافتاً إلى أن غالبية الإصابات تعالج في نقاط طبية غير مهيأة بعد دمار المستشفيات. وعادة ما تعجز الطواقم الطبية عن إسعاف الحالات الحرجة. ويلفت إلى اعتماد مبدأ الترجيح في تقديم العلاج، أي أنّ الأشخاص الذين يمكن علاجهم ينقلون مباشرة إلى النقطة الطبية. أما أولئك الذين تكون إصاباتهم بليغة جداً، فلا يقدم أي علاج لهم، وينزفون حتى الموت، إذ لا إمكانيات لدى الكوادر الطبية للتعامل مع عشرات الإصابات.

ويقول مصدر طبي في حلب، لـ "العربي الجديد"، إن "إجراء العمليّات الجراحية أمر صعب جداً في ظلّ هذه الظروف الصعبة. ولا تكمن المشكلة فقط في انعدام الكهرباء التي تؤمّن من خلال مولّدات كهربائية بدائية، وقلّة الأجهزة اللازمة لإتمام العمليات الجراحية، بل في كثرة المصابين الذين يحتاجون إلى إجراء عمليات. كذلك، فإن الكادر الطبي في المنطقة لا يستطيع إجراء كل العمليات في الوقت المناسب بسبب ازدحام النقاط الطبية، ما يعرّض المصاب للموت.
ويقول مسعفون إن الكادر الطبي في حلب لم يعرف النوم خلال الأيام الخمسة الأخيرة، وما زال صامداً يؤدي عمله الإنساني. لكن الوضع يزداد سوءاً مع تواصل القصف والحصار.



ويؤكد الدفاع المدني السوري ومديرية الصحة في حلب والمجلس المحلي للمدينة ومنظمة الصحة العالمية، توقّف كل المستشفيات في المنطقة المحاصرة عن العمل، بسبب استهدافها بشكل مباشر ومتعمّد من الطيران الروسي. أما المستشفيات المتبقية، فهي عبارة عن مبان عادية أو نقاط طبية تشبه المستشفيات، ولا تتوفر فيها المستلزمات والأجهزة الطبية والمواد الإسعافية اللازمة. من بين هذه المستشفيات، مستشفى للأطفال ومستشفى للجراحة، علماً أن مستشفى الأطفال الذي قُصف يعد الوحيد في المنطقة المحاصرة. وتمكّن الطاقم الطبي من نقل الأطفال من أسرتهم إلى مكان آخر.

وترى مديريّة صحة حلب، أن استهداف المستشفيات هو "تدمير متعمد للبنى التحتية الأساسية للحياة، ما جعل الأهالي من دون أي مرفق صحي يُقدم لهم العلاج". ويهدّد تدمير المستشفيات في حلب حياة ربع مليون مدني، يعيشون في أحياء حلب المحاصرة في وضع مأساوي. ويزداد الوضع سوءاً مع استمرار القصف والحصار الخانق المفروض على المدينة منذ مطلع سبتمبر/أيلول الماضي.

اختناق

ولا يستخدم النظام الأسلحة والذخائر التقليدية فقط في حربه الوحشية على السكان في حلب، فقد قُصفت المدينة مراراً بأسلحة محرمة دولياً. وخلال اليومين الماضيين، سقطت على المدينة براميل متفجّرة تحوي غازات سامة، ما أدى إلى إصابة نحو 50 شخصاً ومقتل رجل وزوجته وأطفالهما الأربعة. ويراقب المدنيّون والمسعفون طائرات النظام المروحية، وهي ترمي البراميل المتفجرة فوق المباني، ما يؤدي إلى دمار كبير، ويهرعون لتفقد مكان القصف، وقد تعرّض المدنيون لحالات اختناق، ما يُرجح احتواء تلك البراميل على مواد سامة. ويعمد المسعفون إلى رشّ المياه على هؤلاء أو استخدام آلة تنفس اصطناعية، بهدف إنقاذهم.

إلى ذلك، يقول رضوان الحلبي، وهو من سكان شرق حلب، إنّ أكثر المتضرّرين من القصف الجوي في حلب حالياً هم الأطفال، الذين يقتلون ويصابون ويجوعون ويفقدون أهلهم. ويشير إلى أن الأطفال يصابون بحالة هستيرية عند سماع صوت انفجار. ويلفت إلى أن المصيبة تتضاعف حين "أعجز عن فعل شيء لهم غير السعي إلى تهدئتهم ومساعدتهم كي يخلدوا إلى النوم، في ظل أصوات القصف المرعبة". يضيف أن كل ما نملكه من مؤن وحصص غذائية التي وزعتها الجمعيات في حلب سابقاً قد شارفت على الانتهاء، ونقتات حالياً من خلال ما بقي لدينا، ولا نفكر كثيراً في الغد. يتابع أن "الموت أقرب إلينا من سلة غذاء قد تصل وقد لا نراها".

وكانت مديريّة التعليم التابعة للمعارضة السورية في المدينة، قد علقت الدراسة في المدارس بسبب القصف الروسي العنيف، الذي أدى إلى سقوط عشرات الأطفال بين قتلى وجرحى.

ذات صلة

الصورة
طفل مصاب بالسرطان ووالدته من غزة في مستشفى المطلع في القدس في 17 أكتوبر 2023 (أحمد غرابلي/ فرانس برس)

مجتمع

قرّرت المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال الإسرائيلي إعادة 20 مريضاً فلسطينياً مصاباً بالسرطان، من بينهم أطفال، إلى قطاع غزة المحاصر رغم تهديد حياتهم بالخطر.
الصورة
محمد حبوب.. إعاقة ونزوح بسبب الحرب السورية (عامر السيد علي)

مجتمع

خلفت الحرب السورية مآسي مروعة بكل تفاصيلها، طاولت مدنا وبلدات وعائلات بأكملها، وشكلت تلك المآسي انقلابا في حياة الكثير من السوريين
الصورة
غسان النجار أمين سر نقابة المهندسين في حلب 1980 متحدثا للعربي الجديد (العربي الجديد)

سياسة

واجه نظام الرئيس حافظ الاسد عام 1980 انتفاضة شعبية في مدينة حلب سبقها صراع مسلح مع الطليعة المقاتلة واستغل النظام هذا الصراع للقضاء على اخر صوت للحرية في البلاد
الصورة
الفنان جان بوغوصيان امام لوحة من لوحاته في معرض الدوحة (العربي الجديد)

منوعات

التقت "العربي الجديد" الفنان جان بوغوصيان في الدوحة بمناسبة افتتاح معرضه (نيران) في غاليري (أنيما)، فكان هذا الحديث عن فنه واختياره النار وسيلة تعبيره.