بعد وفاة مهند

بعد وفاة مهند

06 أكتوبر 2016
المرض بدّل هيئة مهند (عن تويتر)
+ الخط -
تعاطف واسع، عربي ودولي، أحدثه خبر وفاة الشاب المصري مهند إيهاب. قصة الفتى تبعث على الغضب أكثر مما تبعث على التعاطف.

في بلد طبيعي، أو بالأحرى ليس "شبه دولة" حسب تعبير الجنرال الذي يحكمها شخصياً، كانت أسباب وفاة مهند كفيلة بثورة شعبية عارمة ضد النظام، لكنها مصر التي تعالج فيروس الإيدز بأصابع "الكفتة"، وتنفق مليارات لا تملكها على توسعة ممر مائي لا يحتاجه العالم، ويتعامل حكامها مع تهاوي عملتها الرسمية بطريقة "صبح على مصر بجنيه" وجمع "الفكة"، وتخضع لأوامر صندوق النقد ليمنحها قرضاً ينقذ اقتصادها من الانهيار، بغض النظر عن تداعيات شروط الصندوق على الغالبية العظمى من الشعب الذي يعيش نحو ثلثه تحت خط الفقر.

القصة بإيجاز أن مهند شارك في الثورة على نظام مبارك حينما كان عمره 14 سنة، واعتقل بعد مجزرة فض رابعة العدوية وعمره 17 سنة وأطلق سراحه، ثم اعتقل مرتين لاحقا؛ أصيب في الثانية منها بسرطان الدم داخل السجن وعمره 19 سنة، ولما تعنت السجن طويلاً في علاجه؛ تمكن المرض منه، وعندما أطلق سراحه سافرت به أسرته التي باعت كل ما تملك إلى الولايات المتحدة لإنقاذه، لكن الوقت كان قد فات. مات مهند وعمره لم يتجاوز العشرين.

هذا الإيجاز الذي يلخص حياة إنسان في بعض كلمات ربما يكون مخجلا، أو معيبا، لكنه يظل مأساوياً؛ يستدعي الغضب والتعاطف، أو كليهما معاً، خاصة وأن مهند ليس الوحيد، وقصته متكررة بأشكال مختلفة مع مصريين آخرين، قضوا بالفعل، أو ينتظرون الموت في سجون الجنرال تحت سمع وبصر العالم الذي دعم انقلابه وما زال.

الواقع أن وفاة مهند لم تحدث يوم الأحد الماضي. ربما فاضت روحه إلى بارئها في هذا اليوم، لكن وفاته وقعت قبل ذلك بأكثر من ثلاث سنوات، عندما قتلت أحلامه وأحلام جيله، حينما تم التآمر على ثورتهم وعلى مستقبل كانوا يحلمون به لوطنهم.

استيقظ وعي مهند ومئات الآلاف من أقرانه على الثورة ودعوات التحرر ومحاربة الفساد، والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وقتها كانوا ينتقلون من مرحلة الطفولة إلى مرحلة المراهقة، صدق الكثير منهم أحلام التغيير، لكن الزمن لم يمهلهم، حيث ذهبت تلك الأحلام سريعاً أدراج الرياح.

مات مهند وكثير من أمثال مهند عندما ماتت العدالة وساد الظلم.

يبقى أن وفاته أحدثت شرخاً في جدار الصمت، وأظهرت أن جيل أطفال الثورة الذين باتوا اليوم شباباً لم يمت، وأن هذا الجيل لن يخضع مهما كانت الظروف.

يبدو أن أوضاع مصر بعد وفاة مهند ليست مثل ما كانت عليه قبلها، ولا شك أن عودة أحلام جيله إلى الواجهة كفيلة بإثبات ذلك.

المساهمون