تغير ديموغرافي في اليمن

تغير ديموغرافي في اليمن

30 أكتوبر 2016
الصراع على الموارد خطير (فرانس برس)
+ الخط -
بمساعدة عماله، تمكن سعيد مهيوب من إخراج ما ارتفع ثمنه من تجهيزات مطعمه في أحد شوارع مدينة تعز اليمنية (وسط) مقرراً الاستقرار الدائم مع أسرته والعمل في العاصمة صنعاء. جاء هذا القرار بعدما يئس من إمكانية توقف الحرب التي تمزق تعز منذ نحو عامين. باتت صنعاء مستقبله ومستقبل جميع عماله الذين فضّلوا معه مطاردة مصدر رزقهم في وقت دمرت فيه مدينتهم وجعلت آمال تحسن الاستثمار وفرص العمل فيها على المدى المتوسط، صعبة التكهن.

أدت استطالة أمد الحرب في مناطق اليمن، بالإضافة إلى شدة الأضرار التي مُني بها المدنيون، إلى بروز تغيرات ديموغرافية ملحوظة في طول وعرض خريطة البلاد. أدى التغير إلى عدد من السلبيات والإيجابيات الاجتماعية والإنسانية التي يفرز بعضها قضايا مزمنة تؤثر في مستقبل السلم الاجتماعي للمجتمعات المحلية.

ساهم انتشار الحرب على مستوى المدن والقرى في انتقال مجتمعات بكاملها تقريباً إلى أماكن أخرى، مثل تعز التي كانت ثاني أكثر المدن اليمنية كثافة. كذلك، كان الأمر لمحافظات أخرى مع كثير من قراها مثل محافظة صعدة (شمال) والجوف (شرق)، ومناطق كثيرة على طول ساحل تهامة.

تضافرت مجموعة من العوامل المرتبطة بالصراع المنتشر، في استقرار عشرات الآلاف من الأسر ضمن مجتمعات محلية تختلف عنها سواء في البيئة الثقافية: حضرية وريفية، أو الاقتصادية: فقيرة وأفضل حالاً، أو السياسية المتباينة في تأييد أطراف الصراع. وغالباً ما أفرزت تلك التباينات صراعات في أوساط المجتمعات النازحة والمضيفة. إلاّ أنّ العديد من الصراعات تتكرر كثيراً في أوساط الأسر المتنافرة بسبب التنافس على الموارد المحلية المحدودة أصلاً مثل المياه والحطب والأرض وفرص ووسائل كسب العيش.

في محافظة حجة (غرب)، شب خلاف، قبل بضعة أشهر، بين أهالي إحدى القرى وبعض النازحين الآتين من محافظة صعدة (شمال) كان سببه استصلاح النازحين جبلاً بغرض الزراعة ما تسبب في منع السيول المطرية من النزول من الجبل نحو الأراضي الزراعية للقرويين المجاورة للجبل. يقول أحد أبناء المنطقة عدنان محمد: "بعض النازحين كانوا مسلحين ولم يصغوا لمطالبنا بالتوقف عن استصلاح الجبل، بحجة أنّ منعهم يعني موتهم جوعاً. طلبوا منا الاكتفاء بمياه الأمطار القليلة أصلاً ونحن نرفض ضغوطهم"، يشير أيضاً إلى تغيير ثقافي طرأ في مجتمعه مع زيادة اقتناء الشباب قطع السلاح لاستخدامها عند نشوب أي خلاف.

يؤكد محمد بروز مشاكل شبه يومية بين أفراد المجتمعين، خصوصاً النساء والأطفال عند موارد مياه الشرب خارج القرية بسبب الازدحام أمامها. كذلك، تندلع مشاكل أخرى بسبب إتلاف أغنام بعض النازحين محاصيل القرويين داخل حقولهم الزراعية.

في المقابل، ولّد نزوح السكان إلى مناطق أخرى نتائج إيجابية تجلت في تعزيز أواصر الاتصال بين الطرفين، وتوجت بعلاقات التكافل والمصاهرة وتبادل المعارف والهجرة العكسية إلى الريف واللجوء إلى الزراعة والرعي. وكانت محافظة مأرب الصحراوية (شرق) أكثر المناطق استفادة من النزوح بعدما مثلت أهم منطقة آمنة بالنسبة للنخب السياسية والإعلامية والثقافية التي فرت مع أسرها من الملاحقة. وبذلك، تعمل على تحسين الوضع الثقافي والاقتصادي لهذه المحافظة البدوية التي تشتهر بانعزالها، وتزايد حالات الاختطاف فيها.

غادر عدد من الأسر المدن الكبيرة متوجهة إلى الأرياف لتمارس بعض الأعمال الزراعية التي كانت قد توقفت عن ممارستها بعد انتقالها إلى المدن، وعلى رأسها صنعاء. وفي السياق، يقول أحمد عبدالباري، إنّه قرر العودة إلى مسقط رأسه في محافظة المحويت للاستفادة من زراعة أرضه التي ورثها عن أبيه، بعدما تقطعت به السبل في العاصمة وفشل في العثور على عمل. يؤكد عبدالباري لـ"العربي الجديد" أنّ الأوضاع زادت سوءاً منذ بداية الحرب وارتفاع الأسعار، ليكون ذلك سبباً في تركه صنعاء، بعدما عاش فيها أكثر من عشر سنوات.

بينما تعترف منظمات الأمم المتحدة بنزوح ثلاثة ملايين يمني، يمثلون 10 في المائة من إجمالي عدد السكان، يقول الناشط الإنساني والخبير التنموي عبدالإله تقي، إنّ العدد الحقيقي للنازحين أكبر بكثير من هذا الرقم لأنّ فرق المسح التابعة للمنظمات الإنسانية لم تصل إلى جميع مناطق النزوح، خصوصاً أنّ كثيراً من النازحين أقاموا في منازل مستأجرة أو لدى أقاربهم. يضيف تقي أنّ النزوح المزمن لهذه الأعداد الكبيرة يساهم في إحداث اختلال كبير في الميزان الديموغرافي، وتقود تداعياته المختلفة إلى تفاقم الاحتياجات الإنسانية والأزمات المعيشية.

وكانت دراسة اجتماعية نفذها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد كشفت أنّ الصراع على الموارد المائية يمثل نحو 80 في المائة من الصراعات داخل وبين المجتمعات المحلية في اليمن. وأدى انعدام إنفاذ سلطة القانون وتداعيات عدم الاستقرار السياسي والأمني في أغلب مناطق البلاد إلى زيادة الصراعات المجتمعية الصغيرة.

دلالات